للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن يجرون مجراهم. والنشاط الاقتصادي، أو السعي للرزق، عبارة عن صنع أشياء أو أداء خدمات يطلبها أناس ويدفعون نظيرها (ثمنا). وإقبال الناس على شرب الخمر يدفع غيرهم إلى التوسل للعيش بالخدمة في المواخير وطالب القوت ما تعدى.

وبعض من ينظرون في كتب الاقتصاد نظرات عابرة، ينعون على الاقتصاديين اعتبارهم الرغبات المحرمة والسافلة (حاجات) وينمون عليهم وصف ما يسد هذه الرغبات بصفة (المنفعة). ولكن الاقتصاديين يحللون النظام الاقتصادي، بما فيه من خير وشر، ويحاولون تفسير دوافع السعي للرزق وغايات هذا السعي. ويسعى المرء للرزق بالقيام بعمل (يطلبه) غيره ويدفع فيه (ثمناً) ًوتدفع الناس ثمناً لما يطلبونه لأنهم يرون فيه منفعة، أي صلاحية لسد رغبة؛ وقد تكون هذه الرغبة عالية أو سافلة، حلالا أو حراماً، خيراً أو شراً، ضرورة أو ترفاً. وإهمالنا دراسة الحاجات التي يجري بعض الناس وراء إشباعها، بالرغم من أن في هذا الجرى خروجا على مبادئ الدين والخلق، نقول إن إهمال هذه الحاجات هروب من الواقع الذي نتناوله بالتحليل للكشف عن علله وأسبابه وهل يتورع من يقومون، في المعامل، بتحليل فضلات الإنسان أو الحيوان، عن مسها لقذارتها أو لنجاستها؟

ولنعد إلى مساوي تباين ثروات الناس. إن الإفراط في الغنى كالإفراط في الفقر، نقمة على صاحبه. وإن أحس الفقير ألم الجوع فإن الغني قد يصاب بالتخمة. وإن لم يجد المعدم ما يستر عريه فإن إفراط الثرى في التأنق يحمله هما كان حريا به أن ينأى عنه. وإن كانت مساكن العامة تزدحم بهم ازدحاما، فإن عناية الخاصة بمساكنهم الرحيبة تشغل بالهم بما لا طائل وراءه.

وانقسام الشعب شعبين، أغنياء وفقراء، جناية على الأخلاق، وبنات المعدمين فريسة سهلة لا غراء المثرين وسماسرتهم الذين يتوسطون بين من يبعن أجسادهن وأرواحهن وبين من يشترونها.

وتحاول الديموقراطية السياسية أن تسوي بين الناس، وإن اختلفت أقدارهم في المجتمع، وذلك بأن تجعل لكل فرد صوتا واحدا في انتخاب السلطات الحاكمة. ولكن الناخبين عرضة لا غراء مرشحي المجالس النيابية الذين يحاولون، وقد ينجحون، شراء أصواتهم بالمال. وليس من السهل سيادة الديموقراطية ما لم تدعم الديموقراطية السياسة ديموقراطية

<<  <  ج:
ص:  >  >>