للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ملقى على المكتب وقد اصفرت أوراقه، وها هي الذكريات تتعاقب على مخيلتهما؛ وهاهما ولداهما قد عادا إلى الحياة وارتسمت صورهما واضحة أمام عينهما. صورة البطولة والشجاعة والإقدام والشفقة والرحمة والخيانة العظمى.

شعر الرجلان بأنهما يجهلان كل شئ عن الحرب مع أنهما عاشا في لهبها أربعة أعوام. ولكن هل هذا الذي حدث يعد عملا شريفا أو تشتم منه رائحة الجبن والخيانة حقا؟ هل للحياة تلك المنزلة الغالية في الميدان حتى أن ضابطا يلقي بسلاحه حين يجد عدوه فاقد الحيلة أمامه. . . إنهما لا يعرفان شيئا عن قانون الإنسانية والشباب والحياة. أما القاضي فكل ما يذكره الآن هي تلك الكلمات الأخيرة من خطاب ولده.

(لقد ارتكبنا خطا واحدا بأن ألقينا سلاحينا).

انتشر الظلام في الحجرة ولم يقو أحدهما على إنارتها لأن تلك الذكريات البعيدة وذلك الصوت الذي يتكلم من وراء السنين يجب أن يهيأ له الجو الصامت المظلم حتى تسبح روحهما في ذلك العالم حيث فلذتا كبديهما.

امتدت خيوط القمر المكتمل قرصة وأنارت أجزاء من الحجرة كما نبح الكلب وتمايلت أغصان الشجر إلا إنهما لم يشعرا بكل ذلك، بل كان علمهما الذي يعيشان فيه بعيدا حيث الظلام النار والدخان والدماء.

وأخيرا قال مارلو. أذن لم تكن تلك الحياة التي وهبها الكابتن هجنوير إلى ولدي بل كانت الطريق إلى الموت بمحض إرادته، كما أن حياة هجنوير لم تكن إلا قرضا سرعان ما استعادته قوة غاشمة.

فقال القاضي: نعم هو ذلك الأمر

ولم يشعر إلا وهو يضع في يده الرجل الذي أمامه وكأنهما صديقان قديمان عزيزان. وعاد يقول لعل هناك شيئا من العدل يغشى في ذلك الحادث. العدل الذي لا نعرفه ونحن في دنيانا، والذي يشعرون به هم في ميدان القتال.

فقال مارلو: وتلك المحاكمة. أكانت عادلة؟

فقال القاضي: أما عن المحاكمة فإن ولدك هو الذي حكم على نفسه ولا يدري أحد ان كانت عادلة أو ظالمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>