لتختفي في أحيان ولكن الحال في عهد شامل من سنة ١٢٥٠ - ١٢٧٦هـ (١٨٣٤ - ١٨٥٩م) تغيرت تغيراً كبيراً، فقد أصبحت الثورة حركة عامة شاملة، واصبح لها قيادة رسمية ومقر يصرف الأمور، ويوجه الحركات، ويتلقى الأنباء، ومعتقلات لإيواء الأسرى، وسجون لحبس الخارجين على أحكام الشريعة، أو من صدرت ضدهم أحكام قضائية.
وأنشأ الشيخ شامل حكومة وطنية في الدغستان. كانت في كثير من الأوقات - مدى ربع قرن - تبسط سلطانها على اغلب البلاد الداغستانية، وتنفذ فيها أحكام الشريعة الإسلامية.
وإن ما يبعث على العجب والإعجاب معاً أن يستطيع الشيخ شامل الصمود أمام قوات القيصرية لروسية خمسة وعشرين عاماً ونيفاً يناضل في سبيل دينه ووطنه من غير أن يكون له سند يسنده، أو معين يعينه غير إيمائه باله، وقوة عزيمته، وصبره ومصا برته على المكاره والشدائد في سبيل الله. وإذا كان في هذا الصبر وذلك الصمود أمام قوات تلك الإمبراطورية العظيمة مدى ربع قرن ما يثير الإعجاب ويبعث على العجب، فان ما سجله التاريخ لهذا المجاهد البطل من انتصارات باهرة على كبار القواد الروسيين في معارك مشهورة فاصلة - نعن ان تلك الانتصارات العجيبة تعيد إلى الذهن ذرى فتوحات الغزاة المسلمين في عصر ظهور الإسلام وانتشاره والصدر الأول من حياة المسلمين.
عل إنه - رحمه الله واحن إليه - لما اضطر إلى التسليم آخر الأمر لم يرضى ان يسلم نفسه إلا على شرط أن يسلم هو ومن معه من قواده ومرافقيه إلى خليفة الإسلام والمسلمين في القسطنطينية.
ولا يتسع هذا المقال الوجيز الذي أكتبه بمناسب ذكرى وفاته السادسة والسبعين لذكر ما ينبغي ذكره من أعمال هذا المجاهد العظيم، ولذلك سأقتصر على بعض الخطوط والظلال التي تصوره بصورة إجمالية، وتعطى القارئ فكرة عامة عنه، كما اذكر بعض الأعمال والحوادث الهامة التي وقعت ملتزماً في ذلك غاية الإيجاز:
١ - على أثر تولى شامل قيادة الثورية وقيامه ببعض الإصلاحات والتنظيمات أوعزت الحكومة الروسية إلى أحد صنائعها شمخال غمر أنش، وكلفته الاتصال بشامل بقصد استمالته إلى جانب الروسيين، وإغرائه وإطماعه في أمارة الجبل، فاتصل الشمخال بالشيخ شامل، وطلب منه أن يتوجه إلى مقر والى القوقاز في مدينة (تفليس) حتى يعينه هذا الوالي