يحدد لنا غرض شكسبير من مأساته الخالدة (الملك لير) وهل استطاع علم وظائف الأعضاء وعلم النفس الحديث أن يفسرا ظواهر الجنون في الملك لير وهاملت، وغرائز الغدر والخيانة في (ياجو)، والشعور بالغيرة في عطيل، ومطامع الإنسان في ماكبث؟ بل هل استطاع كاتب أو وصاف بارع أن يصف لنا شكسبير شاعر الطبيعة الفذ في كوميدياته:(كما تحبها). (وحلم ليلة في منتصف الصيف)، (والعاصفة) لا. لا. لقد اجهد مئات الكتاب أفكارهم في شرح رجل وأحد وفي تفهم نفسية فرد فلم يفلحوا. بل تشعبت بهم البحوث وتباعدت آراؤهم وتضاربت.
فعلام كان كل هذا الإجهاد والنصب؟ وعلام كان كل الاهتمام؟ لم يأت هذا الإجهاد بثمرة، ولم تكن لاهتمامهم نتيجة، فقد فشلوا جميعا وعجزوا عن تفهم روح الشاعر نفسه، عجزوا عن أدراك سر عبقريته.
فيا ليت شكسبير الذي أبدع كل هذا المسرحيات وجاء بهذه المعجزات الفنية في الشعر أراح أولئك النقاد وأراحنا نحن القراء، فكتب موجزا صغيرا لمآسيه وكوميدياته يشرح فيه فكرته وأغراضه، ولكن شكسبير معجزة الدهر قد أبى أن يقف الناس على أسرار فنه، ومن يدري؟ ربما لم يعرف هو نفسه من أمر فنه شيئا فمات وبقى لغزا لن يحل. فإذا القينا نفس السؤال (هل استفاد فن شكسبير من هؤلاء النقاد الذين يعدون بالمئات؟ كان الجواب بالنفي طبعاً، لأن شكسبير لم يعض حتى يرى هؤلاء النقاد، واغلب الظن انه لم يعن بأمر هؤلاء النقاد ولم يأبه بمعاصريه الذين تناولوا مؤلفاته بالنقد سواء المعجبون المشجعون أو الناقمون الحاقدون. فان شكسبير لم يكتب ليعجب النقاد أو يسخطهم، بل اغلب الظن انه لم يفكر في إغضابهم أو إعجابهم، وهذا شأن الفنان الحر الطليق لا يفكر إلا في نفسه وفي نفه ولا يأبه إلا لرأيه ولا يخلص إلا لفنه.
ولكني مع ذلك لا أنكر إن هذه المئات من الكتب التي كتبت عن شكسبير قد أعانت وستعين كل دارس لشكسبير؛ ستعينه بقدر ما وصل إليه هذا الكاتب من تفهم لروح شكسبير ووقوف على أسرار عظمته الفنية. أقول أعانت القارئ وستعينه، ولكنها لن تقفه على مواطن الإعجاز في شكسبير الأصيل، فلن يعرف قارئ هذه الكتب موطن الإعجاب بهاملت والغرض الأساسي الذي كتبت من اجله، وسيظل البطل هاملت حيرة الألباب والعقول ما