وأعود إلى هانوتو فأقول إنه قد لا يكون أول من نادى بفكرة الاتحاد الفرنسي، فقد يكون هناك غيره ممن تقدمه، ولكني أعجب به من ناحية أنه من فلاسفة ومفكري الاستعمار، الذي لمسوا تقدم الدنيا وتنبهوا لما قد تأتي به الأيام، فتقدموا بآراء ومشاريع وأفكار لم تكن بعيدة عن الحقيقة.
ثم هو مع دهائه وفكره وبصيرته لم تشغله مظاهر الدنيا والثراء وحب النفوذ، كما شغله حب بلاده ورغبته في بقائها، فتحكم على ربوع المستعمرات وفي رقاب أهلها، وهو حينما يكتب وينشر آراءه وسمومه لا يهمه شخصه، وإنما يؤمن بشيء واحد هو بقاء سيطرة فرنسا على مستعمراتها.
فهو يؤمن بأن بقاء الجماعات متوقف على الأنظمة التي تربطها، وهذه يجب أن توضع على أسس صالحة قوية، بل إن الأنظمة هي روح الجماعات، بقدر صلاحها تصلح الجماعة، وإذا فسدت انهار كيان الجماعة.
ولهذا فالإمبراطورية في نظر هؤلاء كائن حي يجب أن يعيش وينمو، وإن قوته مستمدة من الأنظمة التي تربط المستعمرات بالوطن الأم، وإن أنظمة الحكم يجب أن تطرد مع الزمن حتى لا يعتورها ويصيبها الجمود، وهو عله المجتمعات والداء العضال الذي يصيب الإمبراطوريات ويقضى عليها كما قضى على ملك روما وبيزنطة وغيرهما.
فهذه الفلسفة الاستعمارية لم تقف عند حد النظريات، بل أخذت تحلق في العلاقات بين الدولة الحاكمة والأمم المغلوبة، وتتخذ طريق التجربة والاستقراء في مختلف النواحي.
وحقيقة للعالم هي: أن السيطرة الأوربية سواء كانت فرنسية أو غيرها سادت العالم وشعوبه واحتلت المكان الأول وفرضت إرادتها أينما حلت، إلا في الجهات التي ساد فيها الإسلام فهناك واجهت المصاعب واضطرت أن تسير على حذر وعلى قدر، ولذلك تلقى الإسلام والعرب أكبر الطعنات في التاريخ، وفي سبيل هدمه أعطى ذلك اللون البراق للمدنيات القديمة التي انقرضت في مصر وبابل وآشور وفارس، وهذا يفسر لنا تهجم هانوتو وغيره على العرب وطعنه على تاريخهم ووصفه للإسلام بأنه عدو للعلم والمدنية.
لأن الضعف يوجد تسليماً وخضوعاً وهذا ما تم في ربوع أفريقيا السوداء، أما حيث ساد