تمكن الصناع الداغستانيون من صنع البارود في بلادهم، وأعدوا كل ما يلزم لهذه العملية من آلات ومعدات، وأصبح في إمكان المجاهدين المسلمين استخدام البارود في حروبهم ضد الروسيين من ذلك التاريخ، كما يستعملون المدافع المصنوعة في بلادهم وبالأيدي الداغستانية من نحو ثمانية أعوام.
٦ - أتسع نفوذ الشيخ شامل في جميع بلاد الداغستان، وسارت بأخباره الركبان، وكثرت مصادماته الناجحة ضد الروسيين، وفي أوائل فصل الخريف. في اليوم العاشر من المحرم سنة ١٢٧٠هـ (١٣ أكتوبر سنة ١٨٥٣م) قام الشيخ شامل بحركة جريئة أوقعت الرعب في قلوب حاميات الروس في بلاد القوقاز كلها، ففي ذلك اليوم ساق سيلاً عظيماً من قواته ومدفعيته، واجتاز بها حدود بلاد (الكرج) وحاصر قلعة (زنطة) حصاراً محكماً قوياً، واضطر حاميتها إلى التسليم في النهاية، ثم بعث البعوث والسرايا إلى القرى المتناثرة في تلك الجهاد، فأغارت عليها، وأخذت الأسرى وغنمت الأموال الكثيرة. ثم رجع إلى مقر قيادته في داخل حدود الداغستان بعد أن قتل من الأعداء نحو (٢. ٠٠٠) قتيل وأسر نحو ٨٩٤ أسيراً، وغنم من الأموال والأسلحة مقداراً عظيماً. وكان بين الأسرى الجنرال (جوجوزه) قائد حامية (زنطة) وبين السبايا زوجته وبنته وكثيرات غيرهن من كرائم العقيلات، وبنات الأشراف.
بقى هؤلاء الأسرى عند الشيخ شامل نحو تسعة أشهر، وجرت المخابرات والمفاوضات بين الشيخ شامل والقيادة الروسية العليا لمبادلتهم بالأسرى المسلمين الذين كانوا في أيدي الروسيين.
وفي النهاية تم الاتفاق بين الطرفين على طريقة هذا التبادل ومكانه، فقد أتفق الفريقان على اختيار موقع (أنصنفر) على ضفة نهر (مجك). كما حصل الاتفاق على مبادلة الجنرال (جوجوزه) بأبي الشيخ شامل جمال الدين الذي كان رهينة في أيدي الروسيين من نحو ستة عشر عاماً، ثم مبادلة كل مسلم بروسي، وجعل لكل أسير زائد وللسيدات والأولاد من السبايا فداء محدود، وفي أواخر سنة ١٢٧٠هـ (١٨٥٤م) تم هذا التبادل في (انصنفر) على ضفاف نهر (مجك)، واخذ المسلمون أموالاً كثيرة فداء الأسرى الزائدين والسبايا من النساء والأولاد. وكان يوماً مشهوداً عم فيه البشر بين الجميع.