٧ - بعد تبادل الأسرى في أواخر سنة ١٢٧٠هـ تحاجز الفريقان بعض الشيء، وخمدت نار الثورة الوطنية، والحركة الدينية الإصلاحية التي أشعلها الغازي محمد الكمراوي منذ نيف وخمس وعشرين سنة، وكانت هذه الحادثة أشبه بهدنة غير رسمية بين الفريقين. كان قد مضى على نشوب هذه الثورة في تلك البلاد أكثر من ربعقرن من يوم أن رفع الغازي محمد الكمراوي علم الثورة، وكان مضى عليها أكثر من عشرين عاماً من يوم تولى الشيخ شامل قياديها.
فلما رجع أولئك المجاهدون إلى قراهم وضياعهم بعد طول الغياب عنها، والتنقل بين مختلف البقاع وتلك البلاد الجبلية الوعرة رأوا ما عم قراهم من الخراب والدمار، وما حل بأهليهم من الفاقة والفقر وسوء الحال الاقتصادية، لأن أكثر القرى كانت قد خلت من الرجال الأشداء القادرين على الأعمال الزراعية، وتولى هذه الأعمال الشاقة النساء ومن هم في حكم النساء من الشيوخ الفانين والأولاد الضعاف، فساءت حال الزراعات، ونقصت الحاصلات وأنتشر الفقر والضيق.
ثم إنهم نظروا فوجدوا أنهم في ثورة متصلة الحلقات من نحو ربع قرن من غير أن تمتد اليهم يد بالعون والمساعدة من خارج حدودهم، ومن غير أن يستطيعوا حتى الاتصال بخليفة المسلمين ليعرضوا عليه حالهم، وما يعانونه من الشدة وسوء الحال.
لا بد أن هؤلاء المجاهدين - أو أغلبهم - فكروا في هذا كله، فرأوا سوء الحال المنذر بأسوأ مصير، فوهنت عزائمهم وتراخت وبدأ الناس يتسللون من حول شامل شيئاً فشيئاً، ثم بدأت الحرب المعروفة بحرب القرم بين الروس والحلفاء:(الأتراك والإنكليز والفرنسيين). في النصف الثاني من سنة ١٢٧٠هـ، واستمرت إلى النصف الثاني من سنة ١٢٧٢هـ، ولكن الشيخ شاملا لا يستطيع انتهاز هذه الفرصة المواتية. لما قدمنا من الاسباب، ولم يستطع الحلفاء، مد يد المساعدة للشيخ شامل لأن الطريق بينه وبينهم كانت مقفلة تماماً.
أقول هذا على الرغم مما جاء في (لاروس) في أثناء ترجمة الشيخ شامل من (أن الحلفاء لم يقصروا في تقديم المعونة إلى شامل، إذ كانوا يقدمون إليه ما يحتاجه من لوازم حربية).
اقرر هذا لسببين اثنين: الأول أن الطريق بين الحلفاء والشيخ شامل كانت مغلقة تماما من جميع الجهات، فلم يكن من الممكن الاتصال به من الخارج.