الميزانيات والقروض، ما دامت السيطرة المركزية لوزير المستعمرات قائمة ومادامت سياسة المؤتمر ترمي إلى تأكيد السيادة الفرنسية وتثبيت الرأي النهائي للجاليات الأوروبية في مستقبل المستعمرة، وجعل الكلمة العليا للكولون الفرنسي باعتباره ممثلاً للأمة الحاكمة صاحبة الأمر والنهي والسيادة.
فالسياسة التعليمية اتجهت إدماجياً مسترشدة بالنظم الروسية التي تستعين بالمدرسة على إخراج جيل من الناس يؤمن بالثورة وتعاليمها، كذلك المعلم الفرنسي من واجبه أن يفرض لغته ليخرج طائفة تفكر فرنسياً وتنطق بلسان فرنسي وتؤمن بعظمة وأهمية الحصول على الجنسية الفرنسية والافتخار بأن الفرد الأسود هو فرنسي أسود، وأن اللون لا يمنع أنه من سلالة الغاليين سكان فرنسا الأصليين وهذا نهاية ما يصل إليه الغرور الاستعماري.
ولكن سياسة الإدماج تواجه الشعوب الإسلامية، والإسلام والعروبة في عالم الاستعمار وباء يصعب مواجهته، ويستعصي التخلص منه، فهو راسخ في عقول ملايين من الناس وهو كالنار تحت الرماد، وقد أمضى الاستعمار مع الإسلام عشرات السنين وكلما خيل إلى المستعمرين أنهم فضوا مشاكله وقضوا عليه، برزت لهم الأدلة على أنهم ما زالوا بعيدين عن زمن القضاء على حيويته، وأنهم على ما أوتوا من قوة البطش وسعة السلطان، أعجز من أن يكسبوا أمامه المعركة النهائية والقول الفصل.
من هنا فكرت فرنسا في إيجاد مركز دائم للشؤون الإسلامية بمدينة الجزائر وأطلقت على هذه الإدارة: وزاة تنسيق الشئون الإسلامية. ولنلاحظ إن الاصطلاح الفرنسي يعتبر المسلمين كطائفة مهما كان عددهم كبيراً أي أن هؤلاء الناس لا يكونون أمة من الأمم وليس لهم وطن ولا رابطة مع الأرض التي يعيشون عليها: فهم رعايانا المسلمون، وهم مسلمون وكفى، وهذا رأيهم وهو خطير في نظري.
وتولى هذا المنصب في الجزائر صديقنا الجنرال كاترو وهو الذي عرفناه في سوريا ولبنان مندوباً سامياً، ولمسنا في شخصه اجتماع القائد والسياسي معاً، وبرهن على أنه صاحب عزيمة ودهاء وفكر ومقدرة، وهو يتظاهر بأن صديق للإسلام والمسلمين وأنه يعطف على أمانيهم المشروعة ويدفع الظلم عنهم، ويمثل في الوقت الحاضر فرنسا بموسكو عاصمة السوفيت، قلت دائماً إن رجلاً له مزايا كاترو وإلمامه وفهمه لشؤون الدنيا ودرايته