بمشاكل الاستعمار لا يترك الوقت يمر أمامه من غير أن يشغله ببحث شؤون الإسلام في روسيا. نعم قد يكون اختياره كسفير لبلاده من قبيل الإبعاد السياسي في وقت ترفض العقلية الفرنسية وضع العسكريين في الصف الأول، ولكن لكاترو منزلته ورأيه وشخصيته. وللاتحاد السوفيتي سياسة مرسومة تجاه المسلمين، حقيقة إن الناس قلما يتعرضون لها، ولكن أعين الاستعمار لا تغفل عنها، لأن روسيا في توسعها وانتشار نفوذها واجهت المسلمين كما واجهت فرنسا الإسلام من قبل ومن بعد.
ولكن تجارب روسيا مع المسلمين غير تجارب فرنسا، فالأخيرة تحيا تحت سلطان الحروب الصليبية وتقاليدها إلى اليوم وهي حروب اشترك فيها غيرها من الشعوب وكانت نهايتها محزنة لأن السيوف التي انتصرت هي سيوف المسلمين، ومع هذا تقلب الكتب الفرنسية الحقائق وتجعل من الهزائم الفرنسية مفخرة للشعب ودوافع للعمل والجهاد ضد المسلمين.
أما روسيا فقد عاشت قروناً محكومة بالمسلمين ولاقت منهم شدة وعنتاً، وبين الكنيسة البيزنطية والمسلمين عراك طويل، ولم تبدأ حملات روسيا بجد ضد الأراضي التي يسكنها المسلمون إلا في عهد كاترين الثانية، إذ دخلت أقاليم إسلامية كبيرة تحت حكمها، وكانت أساليب الحكم الروسية سهلة واضحة؛ ذبح المسلمين وتشتيتهم أو تركهم إذا قبلوا الدخول في المسيحية، ولقد دخل ملايين منهم في الجنسية والديانة، ومن بقى محتفظاً بديانته سراً أعلن إسلامه بعد ثورة ١٩٠٥ و١٩١٧.
ولما اتسع ملك الروس في آسيا الوسطى وقفقاسيا أخذوا يفكرون في إيجاد سياسة إسلامية، وأخذوا يقلدون الدول الاستعمارية الغربية، ولكن ثورة البلاشفة قضت على القيصرية وأعلنت حقوق الشعوب وحريتها وسمحت للمسلمين بإقامة شعائرهم الدينية بعد أن كانوا محرومين منها، ثم عادت فأعلنت الحرب على الأديان كلها، وكان من الطبيعي أن يحارب الإسلام كغيره وهو قوة عالمية ثورية شأنه شأن الحركة الشيوعية إذ يحمل كل منهما لواه العالمية، وتنفي فيه القوميات والعنصريات والطائفية. فالشيوعية تحاول التغلب على الإسلام في الجهات التي ساد فيها، ولها أساليبها الخاصة في هذا المضمار، التي جاءت نتيجة للتجارب التي بدأها لينين في سياسة التقارب مع الأمم المغلوبة في ١٩٢٠ و١٩٢٢ ثم انتهت إلى تحطيم الجمهوريات الوطنية وفرض الأنظمة الشيوعية والدخول في سياسة