كان لهذا العرض الأخير فعل السحر في نفوس المجاهدين من إخوان الشيخ شامل، فألان من جانبهم، فأخذوا يحبذون التسليم، ويلحون على الشيخ شامل أن لا يفوت هذه الفرصة النادرة، فنزل الشيخ شامل على إرادتهم، ولم نفسه مع نحو عشرين شخصاً من صادقي أعوانه إلى القائد الروسي الجنرال (باربيا تنسكي) كان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر سنة ١٢٧٦ هـ (٦ سبتمبر سنة ١٨٥٩ م).
وبذلك انتهت هذه الثورة الإصلاحية الوطنية التي استمرت أكثر من ثلاثين سنة، ونقل الشيخ شامل ومن معه من أعوانه وأهله وعياله إلى (بترسبورغ) - ليننغراد - عاصمة القياصرة المقدسة، وقابل قيصر الروس إسكندر الثاني، فرحب به القيصر وأكرم وفادته، وأمنه وجميع من كانوا معه على نفوسهم. إلا إنه - على الرغم من الوعد الذي أعطى الشيخ شامل قبل أن يسلم نفسه - لم يسمح له بالسفر إلى خارج الحدود الروسية وألزمه بالإقامة بمدينة (كالوغا) مدة، ثم نقله إلى مدينة (كييف) وظل على هذه الحال نحو عشر سنين.
١٠ - كان الشيخ شامل لا يفتأ يطالب قيصر الروس اسكندر الثاني بإنجاز الوعد الذي وعد به قبل أن يسلم نفسه بتسليمه إلى خليفة الإسلام والمسلمين، ولكنه لما طال به الأمد، ولم يجد أذناً صاغية. بعث إلى القيصر يطلب منه أن يسمح له بالسفر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وبعد أخذ ورد. قبل القيصر أن يأذن لشامل وأصحابه بالسفر الحجاز عن طريق القسطنطينية.
وفي سنة ١٢٨٦ هـ ١٨٦٩م أي بعد عشرة أعوام من التاريخ التسليم خرج الشيخ شامل من الحدود الروسية، وجاء القسطنطينية ولقي من السلطان عبد العزيز خان خليفة المسلمين ما هو جدير به من الإعزاز والتكريم، ثم واصل سفره إلى الحجاز لأداء فريضة الحج.
وهناك ما يبعث على الظن بأن الشيخ شاملاً عرج - في طريقه إلى الحجاز - على مصر، وأنه شهد حفلات الخديوي إسماعيل التي أقامها بمناسبة افتتاح قناة السويس، أو شهد بعضها على الأقل، ولقي من الخديوي إسماعيل ترحيباً عظيماً، وتقديراً كبيراً.
وبعد أن وصل إلى الحجاز وأدى فريضة الحج في أواخر سنة ١٢٨٦هـ اختار المدينة