إليه وأن أشيد به وأقول إنه من أولئك الذين جاءت إليهم العظمة تسوقها الأقدار دون أن يكلفوا أنفسهم أن يلفتوا الأنظار إلى أفعالهم وأقوالهم وإشاراتهم ليقر لهم الناس بالعظمة والعلياء، وإنما هو رجل جاء إلى الدنيا والعظمة والبروز والعلياء عنصر كامن فيه، تراه في خلقته ومظهره وحديثه، فيدفعه إلى الخطير من الأمور في كل يوم ليعالجه بفكره وعقله وأعصابه وإيمانه، ويعرف عنه الناس هذا من أهله وعشيرته وقومه وأصدقائه قبل أن تعرفه عنه المناصب العليا وترفعه الزعامة والسياسة إلى مراكز الحكم والاقتدار.
ولقد رأيته سهلا حتى إذا اقتنع بأمر وملك عليه فؤاده وفكره اندفع إليه دفعته التي لا تبالي، واقتحم العقبة وراء العقبة والناس حيارى من أمره يتساءلون أهي دفعة عن حق وعقيدة وإخلاص أم هي لغاية في نفسه؟ أما أولئك الذين عرفوا وفهموا وأحبوا هذا الرجل فلم يكن لهم أن يتساءلوا لأنهم عرفوا البطولة والإخلاص يجتمعان في قلبه، ولمسوا المحبة والإيمان يلتقيان فيه، فهم لن يتساءلوا، إذ هو في مخيلتهم كما هو في نفسه: سيف من سيوف الحق جاء والناس في حاجة إليه، فأدى ما عليه ولمع لمعاناً في حياة أمة لا شك أنها تحن لذكراه وتحمل له أطيبها في القلوب.
في مدينة حلب ولد ونشأ سعد الله الجابري في بيت قديم لمع أفراد منه في القرن الماضي الهجري والقرن الحالي وأدوا للدولة العثمانية والخلافة جليل الخدم، نجد تراجمهم في أعلام النبلاء وفي تاريخ حلب للبالي.
وحلب قلعة في الخطوط الأمامية للعروبة، ولأهلها المكانة البارزة والمنزلة الراسخة في تاريخ العرب والإسلام، أما نحن أهل مصر فقد ارتبطنا بهم منذ جمعنا وإياهم رجل مصر الكبير أحمد بن طولون، وعدا فترات قصيرة، اشتركنا مع أهل حلب في كتابة تاريخ الإسلام لعصور مضت، وحاربنا الأمم من مختلف شعوب الأرض وهم معنا في المصاف كتفاً لكتف، فامتزجت دماء شهدائنا بدماء شهدائهم، وما من شدة لقيتها قلعة حلب إلا شاركتها فيها قلعة مصر، وكانت نيابة حلب ثالثة المراكز الكبرى في الدولة المصرية القاهرة، وفي تاريخ مصر عدد من ملوكنا بدءوا حياتهم كنواب للسلطنة في حلب.
فهذه حلب درة في جبين العرب، ولأهلها المكانة السامية جزاء ما قدموا في سبيل العروبة والإسلام، ولذا لا تعجب أن يكون ابنها البار سعد الله الجابري في مقدمة هذا الرعيل من