العرب الذين آمنوا بأن الوحدة العربية وجامعةالدول العربية هي حلم من الأحلام بغير مصر العربية، لأن بلادنا هي قلب العروبة، بل العروبة ومصر صنوان. وذلك موقف للجابري وجميل مردم وغيرهما من رجال سورية يجب أن يعرفه كل مصري ولا ينساه. بل أمانة في أعناقنا أن نحفظ لهؤلاء القادة الجميل الذي أسدوه ألينا في وقت كان عدد المؤمنين بمصر يعد عندنا على الأصابع وفي زمن كان من يجاهر بعروبة مصر يعد عندنا مارقاً من الوطنية خائناً للقوميةالمصرية. فلنذكر هذا جيداً ولا ننسه.
لم يكن سعد الله الجابري ممن تستهويهم القيادة والسيطرة على الجماهير والتحرك من مكان إلى مكان وفي ركابهم (القبضايات) بل كان رجلا وضع ما يملك من مال وعمل في خدمة أمته، معتمداً على ماض ناصع أبيض، وعلى نفسه الكبيرة وما تحمل من آمال كبار، وكان في أدوار حياته مجموعة أعصاب وإرادة تدفعها صراحة متناهية وإخلاص وتفان في سبيل المصلحة العامة.
وأول ما يبدو في شخصيته هو توفر عدد من الصفات الممتازة التي يربط بينها نوع من التوازن والانسجام تلمسها من حديثه معك ومظهره وتأنقه وابتسامته، فهو قد نشأ في العز والسعة فظهرت أقواله وإشاراته وحركاته طبيعية لا أثر للتكلف فيها، ولذلك اندثرت من قرارة نفسه، وتوارث كل آثار مركب النقص الذي يشكو الكثيرون منه، وتحرر بهذا من طائفة من مواطن الضعف التي لا يقدر على التحرر منها من لم ينشأ نشأته ويذهب مذهبه في فهم الدنيا.
وكان مؤمناً بحق بلاده وعظمتها، وهذا الإيمان يجعله يستبق الحوادث ويطلب من قومه الإسراع في السير أو يستحثهم على الوصول إلى درجة من النظام والرقي والضبط والربط لا يمكن أن تحتملها طاقة الناس في المشرق الذي بدأ يستيقظ من سنة الكرى عن قرب ويفتح حديثاً عينيه إلى النور. هنا تتلاقى الدوافع النفسية للوصول إلى المثل العليا مع قوة الإرادة والشكيمة التي يحملها سعد الله الجابري، وتواجه كلها الواقع المؤلم فيبدو أحياناً مندفعاً لا تلاحقه أفكار الناس ولن تقدر أن تلاحقه فهو يحمل قبساً من نور الحقيقة ومن نور الإلهام ويشعر بالأخطار القادمة ويريد أن يدعم الأساس ويقوي البنيان وهم تشغلهم حوادث اليوم وتلهيهم مشاكل الساعة فلا يرون ما يراه ولا يتبعونه في خطواته، لذلك