وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم على الشورى في حكمه، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أنه في غزوة الأحزاب أراد أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف على ثلث ثمار المدينة، فعرض ذلك على سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة سيدي الأوس والخزرج، فقالا له: يا رسول الله، إن كان أمراً من السماء فامض له، وإن كان أمراً لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمعاً وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. فقال لهما: لو أمرني الله ما شاورتكما. ثم اختار ما أشارا به، ورجع عما أراده من ذلك الصلح.
وإذا كان الإسلام قد جاء بالشورى التي تقوم عليها الحكومات الدستورية في عصرنا، فقد جاء أيضاً بالرجوع إلى رأي الأكثرية عند اختلاف أهل الشورى، وبهذا لا يكون هناك خلاف في هذا الأمر بين السياسة الدستورية الشرعية وغيرها من السياسة الوضعية، بل تتفق السياستان في الأخذ برأي الأكثرية فيما ثبتت فيه الشورى من أمور الدنيا كلها، ومن بعض أمور الدين على ما ذهب إليه بعض العلماء فيما سبق.
وقد أتى الإسلام بالأخذ برأي الأكثر في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة، وذلك حين اقترب المشركون من المدينة فنزلوا بذي الحليفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال لهم: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن هم أقاموا أقامو بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها.
فقال رجال من المسلمين ممن كان فاته يوم بدر: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا. وقال آخرون: يا رسول الله، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلتهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا!
فانقسم المسلمون بذلك إلى فريقين: فريق على رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم شيوخ المهاجرين والأنصار، يرون البقاء في المدينة، وفريق أكثرهم من الشبان الذين لم يحضروا غزوة بدر، وأرادوا أن يعوضوا ما فاتهم منها بغزوة أحد، يرون الخروج من