للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكلمات أخر، فرد على فيها اللغوي النحرير الأب أنستاس الكرملي، وناقشني غيره فيها وفي غيرها نقاشاً لم يكن اعتباطاً بل كان مستنداً إلى الحجة والرهان وحبذا مثل هذا الجدال الذي يمحص الحقائق ويرشد إلى الصواب. وأرى في مزيد إيضاح لهذا البحث:

إن كل عربي غيور على أمته ولغته ينظر ما آل إليه أمر اللغة الفصحى في العصور المتأخرة حتى أواخر القرن الثالث عشر يجدها قد انهزمت انهزاماً مؤلماً أمام طغيان اللغة العامية المستعجمة منذ استولى سلطان الأعاجم على الدولة وملكوا قيادها. وإنما الرعية على دين ملوكها. حتى تعدى ذلك إلى المؤلفين من هاتيك العصور فتجد في النجوم الزاهرة مثل قوله (وعندما يعزلونه من الوزارة يصبح يأخذ غلامه الحرمدان ويرح يعقد في ديوان الإنشاء) ونجد في نشوار المحاضرة، من الكلمات الطارئة الأعجمية التي حلت محل مرادفاتها من الفصيح ما تنوسى معه الفصيح ولم يبق مألوفاً، كالدقدان والكردناج والشامرغ والسكردان وغير ذلك ثم ما نرجو من زمن أو دولة زمامها بيد طرنطاي ومنكوتمر أن تنهض باللغة وتطهرها من مثل هذا الفساد وترجعها إلى ما كان عليه أو لها من بلاغة في الأسلوب، وفصاحة في الكلمات وعذوبة في اللفظ، ورشاقة في المعنى.

آلم ذلك الكرام البررة أهل الغيرة على لغة الكتاب والسنة، لغة البيان والبلاغة التي خص الله بها هذه الأمة النجيبة فكانت مفخرة من مفاخرها، وآية في إعجازها وإيجازها وبراعة أسلوبها، آلمهم ذلك وهم يرونها في هزيمة شنعاء أمام هذه اللغة الفاسدة الفائلة فحاولوا تطيرها من هذه الأدران، وكانت محاولتهم تعلو وتنحط وتذكر وتخبو ثم تتراجع بتأثير الزمان والمكان والأحوال الطارئة، إلى أن قيض لها ثلة من الأبرار الأطهار من رجال مصر في أخريات القرن الهجري الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر للهجرة، ودعا المرحوم عبد الله فكري في سنة ١٨٨١إلى إنشاء مجمع لغوي فحالت دونه الثورة العرابية، ثم دعا إليه ثانية في سنة ١٨٩٣ فلبى دعوته العلماء البررة كالشيخ محمد عبدة والشنقيطي والمويلحي وفتح الله وحفني ناصف فلم يوفقوا كل التوفيق، وقام نادي دار العلوم بالعبء، حتى التأم السعي بنشاط الدولة المصرية لهذا الأمر، فتألف مجمع اللغة العربية بمصر، ونشطت قبل ذلك الحكومة الفيصلية بالشام، فكان المجمع العلمي العربي، وشعرت اللغة العربية منذ سرت هذه الروح الطيبة في علماء سائر الأقطار العربية وعلى الأخص مصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>