للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفن السوفيتي من آثار البرجوازية الغربية، وتقول البرقية: إن هذه الحملة قد كللت بالنجاح، فأصبحت الكتب والروايات والمراقص ودور الأوبرا والسينما وغيرها من معارض الفن مصبوغة بصبغة الجهاد الاشتراكي، فهي لا تعرض إلا إلى إظهار سمو المواطن الروسي والدعاية للسياسة الشيوعية في تذليل مصاعب الإنتاج والحياة المنزلية والشئون الدولية، فإن جاوزت هذا الهدف فإلى إظهار الأخطاء التي ارتكبت في معالجة هذه المسائل في دول الرأسمالية.

وقد ذكرني هذا الصنيع بما عمدت إليه النازية الهتلرية في ألمانيا من قبل، إذ أصدر (جوبلز) أمراً يحرم به على النقاد عرض الموضوعات وبسطها دون التعليق عليها أو إبداء الرأي فيها، وقال في تعليل هذا الصنيع: (إن الفن لا يفقد شيئاً إذا ما بعد أولئك النقدة الأغرار من الميدان، إذ العظمة الزائفة تسقط من غير أن يسقطها النقد، أما أصحاب العظمة الحقيقة فيجب أن يسمح لهم بحريةالابتكار والاحتفاظ بكرامتهم الفنية)، والواقع أن ذلك الداعية النازي لم يكن يقصد بهذا العمل إلى حماية (أصحاب العظمة الحقيقية) وإنما كان يقصد إلى وضع الإنتاج الأدبي تحت سيطرة السياسة، وتسخيره للدعاية النازية. . .

وهذه محاولات باطلة، لأنها مصادمة للأدب في طبيعته ومصادرة له في مهمته، فإن الأدب - كما يقول مكسيم جوركي أديب روسيا الشيوعية - يجب أن يتلمس الإنسانية من جميع أطرافها، وأن يخاطبها بالإخلاص المنبثق من أعماق الروح الطاهرة، وأنت إذا ما نظرت ملياً إلى هذا الاتجاه ظهر لك الغرض الخطير الذي يقصد إليه الأدب، وهو الذهاب بسائر الفروق ووجه الخلاف والنزاع القائم بين الناس وإنقاذ الإنسانية من شر هذا التنازع، والتغلب على قوى الطبيعة الغامضة المرهوبة، ويوم يحقق الأدب ذلك يصبح دين الإنسانية جمعاء.

ديناً يشمل كل ما حوت الكتب المقدسة في عبادات الهند القديمة، وفي كل ما جاءت به التوراة والإنجيل والقرآن. . .

وماذا يصير إليه الأدب أو يكون إذا ما عمدت كل حكومة في كل دولة إلى جعله أداة مسخرة لأغراضها، وحتمت على الأدباء أن لا يتكلموا ولا ينتجوا إلا في حدود مرسومة وأغراض معلومة مثل رجال السياسة، إنه لا شك سيفقد صفته الإنسانية، ويصبح مثار

<<  <  ج:
ص:  >  >>