للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غير المعدوم) فعقب على ذلك قائلا: (ذلك قول غير مستقيم ذهنا لأن الوجود يقابله العدم ولا يقابله المعدوم).

نقول نعم. . . ولكننا إذا قلنا الشبيبة قصدنا بذلك الشبان؛ وإذا قلنا العلم قصدنا بذلك المعلومات، وإذا قلنا: هذا الوجود قصدنا بذلك هذه الموجودات.

ومن اعجب قول الأستاذ مظهر أن الوجود يتوقف على إحساس من يحسونه. فهل معنى ذلك أن الشيء لا يكون موجودا لذاته إلا إذا وجد من يحسه انه موجود!

وانتقد الأستاذ مظهر قولنا أن الوعي الكوني هو علة البحث عن العقيدة، ثم استشهد بكلام (اوغست كونت) حيث يقول: (إن الاعتقاد في إرادات أو ذوات عاقلة لم يكن إلا تصورا باطلا تخفي وراءه جهلنا بالأسباب الطبيعية. أما الآن وكل المتعلمين من أبناء المدينة الحديثة يعتقدون بان كل الحوادث العالمية والظاهرات الطبيعية بدلا من أن تعود إلى سبب طبيعي وانه من المستطاع تعليلها تعليلا مبناه العلم الطبيعي فلم يبق ثمت من فراغ يسده الاعتقاد بوجود الله، ولم يبق من سبب يسوقنا إلى الإيمان به).

ونلاحظ أولاً أن الأستاذ مظهر يترجم باوغست فلماذا ترجمها هكذا وليس في الفرنسية حرف الغين!

ثم نلاحظ أن الأستاذ قد اغفل الجانب المهم من الفلسفة الوضعية كلها وهو أن كونت لا ينفي وجود ما وراء الطبيعة ولا ينفي ضرورة الاعتقاد، ولكنه يقول أن العقل قاصر عن عقيدة إنسانية تؤمن بالإنسان وتنوط الثواب الأعظم بإسداء الخير إلى بني الإنسان.

وقد وجد بعد كونت فلاسفة يعلمون ما لم يكن يعلمه في زمانه، ولم يكفوا عن البحث فيما وراء الطبيعة ولم يذهبوا إلى ذلك السخف الذي ذهب إليه حين وقع في ذلك التناقض الذي لا تقبله العقول فضلاً عن وجدان الدين.

فأي تناقض اسخف من تناقض القائلين بأننا نترك الإيمان بغير المحدود لأنه غير محدود؟

أي كائن أحق بالإيمان من الكائن المطلق الكمال؟ فلماذا يكون سبب الإيمان الوحيد هو السبب المبطل لكل إيمان؟

فإذا كانت المعرفة العلمية قاصرة عن الإحاطة بغير المحدود على زعمه فيجب أن يكون هناك سبيل إلى الشعور به من غير المعرفة العلمية، وهو سبيل الإيمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>