فيشبه الأسنان الثلمة بالرحى الجرشة، في القدرة على الطحن والهضم وهو يذكرني بابن هانئ الأندلسي فله من هذا الباب كلام جيد. وان كان إلى لا وضوح اقرب منه إلى التعمق ولكنه يلذ القارئ ويمتعه ويوقفه على الحقيقة سافرة في سهولة ورقة كان يقول:
يا ليت شعري إذا أوحى إلى فمه ... أحلقت لهوات أم ميادين
كأنها وحثيث الزاد يضرمها ... جهنم قذفت فيها الشياطين
وغادر البط من مثنى وواحدة ... كأنما اختطفتهن الشواهين
أين الأسنة أم أين الصوارم أم ... أين الخناجر أن اين السكاكين
تبارك الله ما أمضى أسنته ... كأنما كل فك منه طاحون
ونحب أن نعلن أن ابن هانئ كان قنوعا راضيا ولكنه يصف حالة رآها فقط دون أن ينطق عن ذات نفسه كابن الرومي ذلك الذي يرضي بالبطنة الممرضة والكظة القاتلة معللا نفسه بزوالها بعد يوم فيقول مخاطبا لائمته في شرهه:
دعيني قسطنطين آخذ شهوتي ... وتبشمني إني بذلك راضي
فأكثر الزاد ما ألقى من الزاد كظة ... مدى يومها واليوم اسرع ماض
ويخيل إلي أن الكظة لو استمرت معه طيلة حياته - لا يوما واحدا كما يزعم - ما رجع عن نهمه العجيب!!
ويطول بنا البحث لو تقصينا ما ورد عن هؤلاء من النوادر وما قيل فيهم من رائع الشعر. ولكن احب أن انصفهم بعض الشيء فأعلن أن شرههم هذا غريزة نفسية ركبت في طبائعهم فهم معذورون حين يهجعون على الموائد، وماذا عسى أن يصنعوا وأمعاؤهم تتلوى كالأفاعي القاتلة. لذلك نجد الكثيرين منهم يعلنون عن أنفسهم بالقول حتى لا يفاجئوا الناس بشرههم الجشع قبل التمهيد له. واظرف ما قرأت في هذا الموضوع ما حدث به معبد بن خالد الجدلي قال: خطبت امرأة من بني أسد في زمن زياد فجئت لأنظر إليها وكان بيني وبينها رواق فدعت بجفنة عظيمة من الثريد مكللة باللحم فاتت على أخرها وألقت العظام نفية ثم دعت بشن مملوءة لبنا فشربته حتى أكفته على وجهه وقالت: يا جارية ارفعي السجف فإذا هي جالسة على جلد أسد، وإذا شابة جميلة، فقالت يا عبد الله، أنا أسدة من