جاءوا بعدد قليل وعلى دفعات فلم يتمكنوا من الدخول إليها عنوة ولم يتمكنوا من قهر أهل أرض كنعان والتغلب على الكنعانيون ويظهر ذلك بكل وضوح من أقوال التوراة.
ووردت في التوراة بعض الشهادات التي تفند مزاعم الصهيونية تماماً فما ورد فيه إن الشعب الذي يسكن في هذه الأرض كان على جانب عظيم من الحضارة وأن العبرانيين كانوا على العكس على جانب كبير من البداوة. (ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي خلف لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيك إلى مدن عظيمة جيدة لم تبنها وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها، وآبار محفورة لم تحفرها، وكروم وزيتون لم تغرسها؛ وأكلت وشبعت، فاحترس لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية).
فهذه شهادة عبرانية واردة في أقدس واقدم كتاب عند العبرانيين وهو الكتاب الذي استشهد به اليهود في إثبات حقهم في فلسطين؛ هي شهادة تتكلم بكل وضوح عن بداوة العبرانيين وانحطاطهم بالنسبة إلى (الكنعانيين) سكان فلسطين القدامى.
وهناك شهادة أخرى تلفت الأنظار حقاً وهي تشرح لنا حالة اليهود عند محاولتهم الدخول إلى فلسطين ودرجة انحطاطهم وحالتهم البدائية وقلة عددهم كذلك ومقدار تفوق الشعوب الأصلية على اليهود. فها هو إله إسرائيل يخاطب (موسى) فيقول (أرسل هيبتي أمامك وأزعج جميع الشعوب الذين تأتي عليهم وأعطيك جميع أعدائك مدبرين، وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحوبين والكنعانيين والحثيين من أمامك، لا أطردهم في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية، قليلاً قليلاً أطردهم من أمامك إلى أن تثور وتملك الأرض. فهذه شهادة تشرح حالة اليهود عند مجيئهم إلى فلسطين وقلة عددهم وانحطاط مستواهم الثقافي والمدني بالنسبة إلى شعوب فلسطين وهي شهادة لا تصلح أن تكون حجة في صالح اليهود.
لم يتمكن اليهود من تثبيت أقدامهم في المناطق التي استولوا عليها من فلسطين إلا بعد مدة طويلة ولم يكن ذلك إلا بعد اتخاذ طرق مختلفة منها التزاوج ومناه التبشير بالديانة اليهودية ولم يتمكنوا من تشكيل حكومة بالمعنى الحديث المفهوم من كلمة (دولة) إلا لمدة قصيرة جداً وتحت عوامل ضغط شديدة؛ ولم تعمر هذه الدولة طويلاً بل عاشت منذ عهد (شاوؤل) في