تناساني الأصحاب إلا عصيبة ... ستلحق بالأخرى غداً وتحول
وإن الذي يبقى على العهد منهم ... وإن كثرت دعواهم لقليل
أقلب طرفي لا أرى غير صاحب ... يميل مع النعماء حيث تميل
ومنها ترى أن المتارك محسن ... وأن خليلاً لا يضر خليل
تصفحت أقوال الرجال فلم يكن ... إلى غير شاك في الزمان وصول
أكل خليل أنكد غير منصف ... وكل زمان بالكرام بخيل؟!
والناس في نظره ذئاب في ثياب فلا تتخيل أن كل الملاطفين صحاب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ... ذئاباً على أجسادهن ثياب
وهو يتحسر في أسره على صاحب فرد، لا يريم عن وده، وإن تتنكر الزمان وأشتد:
أما ليلة تمضي ولا بعض ليلة ... أسر بها هذا الفؤاد الموجعا
أما صاحب فرد يدوم وفاؤه ... فيصغي لمن أصغى ويرعى من رعى
وفي كل دار لي صديق أوده ... إذا ما تفرقنا حفظت وضيعا
وليس بدعاً كذلك من أبي فراس وقد شام الغدر في الناس أن يكون أول ما يمتدح به الوفاء، فها هو ذا يقول لصاحبه أبي الحصين وقد كان من أوفيائه:
أبا حصين وخير القول أصدقه ... أنت الصديق الذي طابت مخابره
أين الخليل الذي يرضيك باطنه ... من الخليل الذي يرضيك ظاهره
وكذلك يمتدح نفسه بأنه يسار صديقه بعيبه، ويجهر أمام الناس بفضله وحبه:
وإذا وجدت مع الصديق شكوته ... سراً إليه وفي المحافل أشكر
ويقول لأبي زهير ابن عمه:
ابن عمي إني على شحط دار ... والقريب المحل غير قريب
صادق الود خالص العهد أن ... س في حضوري محافظ في مغيبي
وفي توديع أبي الحصين صديقه يقول:
يا من أصافيه في قرب وفي بعد ... ومن أخالصه إن غاب أو شهدا
أضحى وأضحيت في سر وفي علن ... أعده والذي إذ هدني ولدا