في جملته إلا تركاً للخير القليل والشر الكثير؟ وهل يكون الكسل إلا (عملاً) يرجح فيه الكسب على الخسارة، ويربى فيه الاطمئنان والآمان على الخوف والبلاء؟
(قال الأستاذ يدعي النشاط: إن العصفور المبكر يلتقط الدودة قبل إخوانه. . . فأجابه التلميذ قليل الإدعاء: ولكن الدودة المبكرة هي التي تموت في منقار ذلك العصفور).
وقد ذكرني قول الأستاذ الكبير (فحسبي الآن أن أرضى بالدفاع عن الكسل كلما أفرطت الحركة من غير بركة، كما تفرط في هذا الزمان) بما كتبته في الأسبوع الماضي عن نشاط كثير من الناس في تأليف الكتب، وذكرت ما سمعته مرة من أحد (الناشطين) في التأليف، وقد قلت له: إني أراك تنفق أكثر وقتك في زيارة دور النشر للحث على إنجاز طبع كتاب أو لعرض كتاب آخر، فمتى تؤلف هذه الكتب؟ قال في استهانة يطل من ثناياها الزهو: إنني أفرغ من الكتاب في ليلة واحدة!
ألا ليت هؤلاء المؤلفين، وأمثالهم في غير التأليف، يسكنون فما من حركاتهم من بركة. . .
أما الكاتب الصيني فقد جاء في المقال الذي أقتطفه (المختار) من كتاب له، فصل عنوانه (فن الكسل) بدأه بقوله (الثقافة بنت الفراغ والراحة. وأهل الصين يرون إن أحسن الناس ممارسة للكسل هو أحسنهم ثقافة، ويبدو لهم إن هناك تناقضاً بين كثرة العمل والحكمة) وأحسبه يقصد بممارسة الكسل إراحة الذهن ليهضم على مهل وليسلمن الكد فيقوى على التفكير السليم وهو يرى إن من الفن الجميل أن تعرف كيف تدع الأعمال فلا تنجزها، وأن تعرف كيف تصرف وجهك عن كل شيء لا ضرورة له.
ويقول (لن يوتانج) إن رذائل أهل أمريكا هي عند أهل الصين: قدرتهم على العمل، ودقتهم في أدائهم، وشدة حرصهم على النجاح، ثم يوازن كسل الصينيين بنشاط الأمريكيين موازنة غريبة ظريفة، لأنه يخالف فيها المقررات الاجتماعية المتفق عليها، فالأمريكي يرى أن (مقاربة الإتقان ليست بكافية، أما الصيني فهي عنده كافية كل الكفاية. لأنه يعتقد إن القدرة على العمل لا تدع لأحد فراغاً يروح فيه عن نفسه؛ وإنها ترهقه بحرصه على إتقان الشيء الذي يعمله وضرب مثلاً محرر مجلة أمريكية يقتل نفسه حرصاً على أن لا تظهر فيه أخطاء مطبعية، أما الصيني الحكيم فيسره أن يتيح لقرأه أن يستمتعوا بالرضى عن أنفسهم حين يعثرون على بضعة أخطاء يهتدون إليها بأنفسهم، وأعظم من ذلك إن المجلة الصينية