للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والترف. . . وجاء أسعد يزورها واشتهت أن تلبس الثياب التي أهداها إليها. ما آثرت جمال الثياب على متع الحب، ولكنها كانت كالغني يأكل الحلوى حتى يشتهي الزيتون، ويسكن القصر حتى يستحلي الخيمة، ويركب السيارة حتى يتمنى ركوب الحمار. . . هذه هي النفس البشرية، يطغيها الغنى وينسيها لذةَ النعمة وجودُها، ولا تعرفها إلا عند فقدها. .

لبست الثياب ونظرت في مرآتها، ومرآة الحسناء من أدوات شيطانها، فرأت في مكانها فتاة من فتيات بيروت، وأعجبها جمالها وهذا الصدر البادي إلى سفح النهدين، وملتقى الثديين، وذراعاها إلى الكتفين، ونظرت إلى ثيابها الجبلية التي نضتها عنها، والتي تستر كل شيء إلا الوجه، كما ينظر المرء إلى دودة كانت عالقة به وتخلص منها، وأحست في نفسها الشوق إلى الإطراء الذي ألفته في (عاليه) أذناها، وترقبت قدوم أسعد، واستطالت الوقت في انتظاره. .

ثم رأته يفتح الباب ويدخل، فتهيأت لاستقباله ونظرت فإذا القادم هاني. .

وعاد الخصام ولكنه كان شديداً عنيفاً هذه المرة. . قال لها:

- ثقي يا ليلى أنك لا تحبينه، وإنما تحبين مظاهر الترف

- قالت: وأنت ما شأنك بذلك؟ ولماذا تدخل نفسك فيما لا يعنيك؟. .

وامتد الجدال وأطلق لسانه في أسعد.

- فصاحت به: هو خير منك على كل حال. إنه خير ممن يسأل الصدقة بيد قذرة. .

خدعتها ظواهر الحب الناعمة فنسيت الرجولة الخشنة الكامنة وراءها، فلم تقدرها ولم تحسب حسابها، لعبت بالقنبلة لما غرها بريقها ولمعانها، فلمست زرها فتفجرت، ولقد انقلب لما سمع هذه الكلمة من سبع الملعب (السرك) الأليف، إلى أسد الغاب الضاري، لم يعذرها، ولم يضع نفسه في مكانها فينظر ماذا يصنع وهو في مثل حالها النفسية، وهاله أن تترفع عنه وكان يراها مثله، لم يجد نفسه دونها لأن الحبَّ سوّى بينهما، والحب (مذ كان الحب) مظهره البذل وحقيقته الأخذ، ورداؤه الإيثار، وجسمه الأثرة، وكان يحتمل منها كل شيء، إلا أن تمسّ رجولته، كالمرأة تحتمل من الرجل كل شيء إلا أن يحقر جمالها وأنوثتها، ولم يعد يرى أمامه الفتاة التي ألبسها حبه ثوب الملَك، وحوّطها بهالة التقديس ورآها مثال الجمال وغاية الآمال، ولكن امرأة من النساء تهينه، وهو الرجل المعتد برجولته، وهو الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>