لم يحمل المهانة من أخيها إلا حباً بها، واشتعل دمه ناراً، وجنّ قلبه في صدره، وأراد أن يتكلم فشعر كأن لسانه قد وقف، وحلقه قد جف، ولم يع على نفسه إلا ويده ترتفع وتهوي على وجه ليلى بلطمة دوّت في أذنيه كأنها طلقة مدفع، فصحا فجأة، وهاله ما فعل، فانطلق هارباً إلى الإسطبل، وخلا بنفسه يفكر فيما صنع.
لقد أفرغ غضبه في هذه اللطمة فلم يبق في قلبه إلا الحب، وما يتبع الحب من تقديس؛ فكيف فعل هذه الفعلة؟ وهل فعلها حقاً؟ هل لطم محبوبته التي يشتري اللمسة منها بالحياة، ويدفع عنها بروحه مسّ النسيم، وشعاع الشمس؟ أيكسر الوثني صنمه، ويبصق المجوسي على ناره؟
وصارت يده أكره شيء إليه، هذه اليد التي هدمت مستقبله، وطوّحت بأمانيه. وملكته نوبة هياج، فضرب يده بالنافذة، فحطم زجاجها، وأطار شظاياها، وغسل كفه بالدم
قالت العجوز:
وسمعت الضربة فأسرعت إليه، وقلت له:
- ما هذا؟ ماذا صنعت بنفسك؟
وخرجت لآتيه بضماد، وإذا أنا بليلى، تدخل عليّ بثياب المدنية، متوثبة فرحى، تقول:
- اسمعي، اسمعي البشارة. . .
- قلت: أي بشارة؟
- قالت: لقد خطبني، إنه سيتزوجني.
- قلت: من؟
- قالت: أسعد، لقد أعلن عن خطبته لي الآن، وقال: إن أباه موافق وأخي. . .
- قلت: وهل تحبينه يا ليلى؟
وسكت، وحبست أنفاسي في انتظار جوابها، لأني أعلم أن هاني يستمع إليها، فأحببت أن أكرها بحبها. ولكن الحمقاء اندفعت بلا وعي، تصيح:
- إنني أحبه، أحب الأرض التي يمشي عليها، أحب الهواء الذي ينشقه، أحب. . .