الحياة، والماء يدل عليها بالضوء الذي تشربه الحياة، وهكذا إلى أن يأتي في الآخر قلب المرأة فيدل على رحمة الله بالحب الذي تقوم به الحياة.
ابتسامة الحب غالبت زفراتِ الموت التي تعتلج من تحتها حتى غلبتها، وأعادت الحياة لحظة إلى وجه زوجتي لأراها آخر ما أراها في صورة المُحبة، فكان كل جمال نفسها منتشراً على ذلك الوجه، وظهرت فيه روحها وعواطفها تودعني وداعاً حزيناً متبسما يتكلم؛ يتكلم بعجزه عن الكلام.
ابتسامة لا ريب أن فيها أشياء ليست من جمال هذه الدنيا ولا من حقائقها؛ فكأنما التمعت بأشعة من الخلد ترفّ رفيفها على وجه الحبيب ليظهر ساعة الموت أن حبه أقوى من الموت.
قال المسكين: ونثر الطبيب ذا بطِنها فكانت طفلة، وما كانت زوجتي تقترح أن يكون الجنين غيرها، بل كانت مستيقنة أنها تضعها أنثى، وصنعت لها ثيابها، ووشتها بزينة الأنوثة، وعرضت أسماءَ البنات فاخترت اسمها أيضاً، وكنت أكره ذلك منها وأريد ولداً لابنتا، فكانت تغايظني بعملها وإصرارها غيظ دعابة لا غيظ جفاء.
ومضت لا تذكر إلا بنتها مدة الحمل، ولا تتكلم إلا عن بنتها، وقد كانت أعجب لذلك، فلما قضى الله فيها قضاءه علمت أن ذلك أمر من أمر الروح، فكان الإلهام فيها أنها على باب قبرها وأنها لن ترى طفلتها ولن تعيش لها، فعاشت أيام الحمل مع ذكراها، تضم ثيابها إلى صدرها، وتحملها على يدها، وتناغيها وتقبّلها، وتأخذها من الوهم وتردّها اليه. وكذلك نعمت المسكينة بالمسكينة!
لكِ الله يا معجزة الرحمة؟، يا نفس الأم!
ولما قيل: ماتت - جعل يكلمني المتكلم ولا أعقل، فان الكلمة التي تأتي بالمصيبة المتوقَّعة طال ارتقابها - لا تأتي بمعان لغوية كغيرها من الكلام، بل بأسلحة تضرب في النفس وفي العقل، وتُثْخنُها جراحا وفتكا.
وجعلني موتها كأني ميت يحمل نفسه، ما حوله إلا المشّيعون، وأحسست كأن قوة أخذت بإحدى رجليّ فوضعتها في الآخرة، وتركت الثانية في الدنيا، ولحقني من الجزع ما الله عالم به، ووجدت أحرق الوجد، وبكيت أحر البكاء؛ وجعلتْ أفكاري تنحدر من رأسي إلى