للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي أنشأه الأمير عبد القادر ثم العمود الفقري للقتال وهم رجال القبائل الذين لبوا دعوة الجهاد.

هذه هي حرب الجزائر التي اشتدت وطأتها على أربعين ألفاً من الجنود الأوروبيين اصطلوا بمعاركها ومشوا إليها تحت وهج الشمس، فتغيرت سحنتهم وتبدلت لديهم ملابس الميدان وأصبحوا مع الزمن كقطيع منفصل عن العالم لا يعرف سوى الحرب والدمار وإسالة الدماء على الأرض الإفريقية. هذا جيش أفريقيا الفرنسي الذي ولد ونشأ وترعرع في معارك الجزائر وحروبها القاسية.

ودارت رحى الحرب سنوات والهزائم تتوالى والمصاعب تتضاعف وليس لدى الفرنسيين الخبرة الواسعة بالإدارة والحكم فهم تارة يجنحون إلى الشدة ويقنعون أنفسهم أنها هي الحزم وأخرى يتقربون زلفى إلى الأهالي، وفي أوقات يقدم قواتهم على عمليات حربية فيها المجازفة والتسرع فترتد عواقبها وخيمة عليهم.

من وسط هذه النكبات ظهرت فكرتان: الأولى إنشاء فرق من الجنود الوطنيين لخدمة فرنسا والثانية إنشاء المكاتب العربية التي أطلق عليها في النهاية اسم المكاتب الوطنية.

وقد ظهرت بوادر النجاح في الناحيتين إذ بالاعتماد على الفرق الوطنية المقاتلة وبعد احتلال مدينتي بون ووهران واتباع خطة الدفاع أمكن إنقاص القوات الفرنسية من ٣٧ إلى ١١ ألفاً فعد هذا نجاحاً للقيادة.

أما المكاتب العربية فهي التي وضعت سياسة التخريب والتشريد وهي إحراق المناطق المزروعة ومصادرة قطعان الماشية التي تملكها القبائل العاصية والاستحواذ على الأطفال والنساء كرهائن والفتك بهم إذا استمرت الحرب وأخيراً تطور هذا النشاط إلى القمة واتجه إلى بذر الشقاق بين عناصر وطوائف الأمة الجزائرية، وخلق قضية العرب والبربر فكسبت هذه المكاتب في هذا النشاط من المعارك أضعاف ما كسبته فرنسا بقوة السلاح.

وكان الأمير عبد القادر أول ضحايا عمل هذه المكاتب، فإن قواد فرنسا حاولوا كثيراً أن يعقدوا اتفاقاً معه ولما توصلوا لذلك واعترفوا باستقلاله وإمارته، سلطوا مكاتبهم عليه ووجهوا المطاعن بواسطة وكلائهم وخدامهم فقالوا إنه حالف الكفار وأعداء الدين فأصبحت بيعته باطلة ووكالته على الناس غير قائمة، وعرفت هذه المكاتب السياسية أن تجعل بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>