خططهم الحربية فوضعوها على مراحل إذا أتموا مرحلة انتقلوا لغيرها، ووضعوا المبدأ الثابت وهو شراء النصر والغلبة بأي ثمن حتى لا تفقد فرنسا هيبتها العسكرية، ولذلك وصلت جيوشهم إلى ٥٦ ألف مقاتل في سنة ١٨٤٠، واستدعت فرنسا بعض الكتائب الممتازة من أصناف القناصة التي كانت تعد من قبيل فرق الكوماندو في العصر الحاضر مع اختلاف التدريب أي زهرة الجيوش الفرنسية.
أما الأمير فقد آمن بعد مفاجئة الفرنسيين لعاصمته، بالفرق الكبير (بين الجنود المنتظمة والجنود المتطوعة) ولذلك انتهز فرصة المعاهدة وعزم على إنشاء جيش نظامي حديث: (فعقد مجلساً عاماً من رجال الدولة وأعيان الرعية وخطب فيهم خطبة أوضح فيها فوائد العسكر النظامي ومنافعه وأخبرهم أن اعتزم على تنظيم عدد منه، فأجلبه الجميع. . . ونودي أنه (صدر أمر مولانا ناصر الدين بتجنيد الأجناد وتنظيم العساكر. . . فمن أراد الدخول تحت اللواء المحمدي ويشمله عز النظام فليسارع إلى إدارة الإمارة والمعسكر ليقيد اسمه في الدفاتر الأميرية).
ومع انتصارات فرنسا في جبهة قستنطينة أخذت تظهر بين جنودها آثار الحروب الإفريقية ومتاعبها، فقد برهنت سنوات السلم، ازدياد حوادث العصيان بين الجنود الأوروبيين ومخالفة الأوامر وعدم الإذعان للقواعد المعمول بها في الفرق الفرنسية بأوروبا نتيجة لاختلاف البيئة والجو، بل أن مضي السنوات أظهر اختلاف الأنظمة الصحية، وأساليب التغذية وتموين الفرق مما أدى كما قلنا إلى الاستهانة بتطبيق القواعد العسكرية وظهور حوادث العصيان، وأعقب ذلك نكبة مليانة التي ظهر للعيان ضعف قوة القتال لدى الفرق الفرنسية الصميمة وفقدان الروح العسكرية ودرجة الضبط والربط التي عرفت عن الجيش الفرنسي إزاء هذه النكبة اضطرت فرنسا إلى تغيير قيادتها العامة في الجزائر برمتها وأجبرت على إدخال أنظمة جديدة للجيش وإلى العمل على رفع مستوى الحياة في الثكنات والمعسكرات والتشديد في المحافظة على روح المقاتلة والكفاح في المستوى المعتاد بعد أن هبطت هبوطاً ملموساً في المعارك الأخيرة.
ولم يستفد الأمير عبد القادر من هذه الفوضى الضاربة أطنابها لما ينقصه من خبرة وإلمام بأساليب الأوروبيين وأنظمتهم وإلا لضربهم ضربة مميتة.