الموعودة ولكن التوراة والتواريخ تكذب أقوالهم هذه أيضاً، فإن العبرانيين الذين كانوا البابليون قد أخذوهم أسرى إلى بابل ثم سمح الفرس لهم بالعودة إلى أرض فلسطين بعد انقراض حكومة بابل، في أيام (كورش) فضلوا الإقامة في أرض العراق على الذهاب إلى (أرز إسرائيل) ولم يلبّ نداء زعماء اليهود وأنبيائهم غير القليل، لأنهم وجدوا أنفسهم في أرض طيبة وفي موطن ملائم وقد بقوا في العراق حتى الآن وقد تولى بعضهم مناصب عالية في الحكومة، كما أن اليهود الذين هاجروا إلى مصر فراراً من حكم نبوخذ نصر فضلوا البقاء في مصر على الذهاب إلى فلسطين وفي ذلك دليل على عدم صحة أقوال الصهاينة في وجود الحس السياسي والوطن القومي عند العبرانيين.
وأما النداء الذي وجهه الملك (كورش) إلى رؤساء إسرائيل والنداء الذي وجهه الأنبياء فإنه لم يكن ذا طابع سياسي بل كان يحمل الطابع الديني المعهود فاليهود الذين ذهبوا لبناء (الهيكل) والذين ساعدهم (كورش) بتقديم كل المساعدات اللازمة والذي أمر بإعادة ما كان قد أخذه (نبوخذ نصر) من ذهب وفضة من خزائن الهيكل لم يحاولوا تكوين مملكة سياسية بل ذهبوا لبناء (بيت الرب إله إسرائيل) ولذلك كانت الحكومة التي كونها العبرانيون في القدس حكومة دينية تحت حكم الفرس ومما يذكر أن (عزرا) الذي فوضه الملك (ارتحشتا) أمر قيادة رجال السبي وإعادة بناء الهيكل اتخذ كل وسائل القوة لإجبار اليهود على العمل بشرائع الرب وعلى العبادة والتوبة وقد كان من نتيجة ذلك اعتناق جماعة من الفلسطينيين ديانة العبرانيين.
ومع ذلك فإن الأرض التي نزل بها اليهود بعد السبي كانت صغيرة جداً أصغر من أرض (مملكة يهوذا) الصغيرة ذاتها مركزها القدس وتمتد في الشمال إلى حدود (الرملة) وإلى (حبرون) في الجنوب. وإلى حدود الأردن في الشرق والسهول في الغرب.
وكانت منطقة (السامرة) التي لا تبعد إلا قليلاً عن مدينة (نابلس) مأهولة بسكان من العراق كان الآشوريون قد نقلوهم إلى هذا المكان ومن السامريين الذين لم يعترفوا بزعامة رجال الكهنوت في القدس واختلفوا عنهم. ثم أصبحوا من أشد الناس خصومة لهم، فقاوموهم وحاربوهم مع أنهم من أصل عبراني وهذا ما يدل على أن اليهود لم يكونوا على رأي واحد حتى في إحياء الهيكل وإعادة الدولة اليهودية بشكل جديد سماه (المستر لويد جورج)