الباقية عنده من مؤلفاته. واتفق يوماً أن اشترى من بقال زيتوناً، فلما أفرغه في البيت وجد قرطاس الزيتون منزوعاً من ديوانه الذي كان فيما بيع بالأقة!
ثم قال:(من ذلك اليوم بدأ رأيي يتغير في الأدب وقيمته وما قيمة أدب مصيره إلى دكاكين البقالين ومن إليهم؟ وما زلت أكتب وأنشر، وإن لي لنصيبي من الغرور الذي لا تطاق الحياة بغير قدر كاف منه، ولكني حلت شيئاً فشيئاً حتى صرت أشبه بنجار لا يأسف على حجرة جلوس أو مائدة باعها، وقد خلت نفسي من ذلك الشعور (بالأبوة) لما أكتب، فليس يعنيني مصيره) إلى أن قال بعدما أبان أنه غير راض عما كتبه:(وأتعجب كيف كتبت هذا التخريف؟ وأتساءل: لماذا عجلت؟ لم لم أنتظر حتى أنضج؟)
ورجل كالمازني له ماضيه فيالأدب، ومن حقنا أن نتعقبه، فلا ندعه يقول ما يقول عن نفسه دون أن نتبين وجه الحق فيه وإن ما كتبه وألفه أصبح جزءاً هاماً من أدب العصر، فإذا تخلى عن (أبوته) فإن له أقارب آخرين من حقهم أن يروا فيه وفي أبيه المتخلي ما يرون. . .
ولكن. . . أراني أنزلق إلى فخ. . وهاهو ذا (المكار) يبتسم، فقد أوشكت على الوقوع!
لقد ذكرت ما كان قد قاله له الأستاذ العقاد، بصدد براءته من شعره، وكنت قد تحدثت عن ذلك في عدد ماضي من الرسالة قال العقاد إن المازني مكر بإنكار الشاعرية على نفسه ليتسابق إليه الناس ويضعوه في مكانه من الطليعة، ولكنه انتظر عاقبة مكره دون جدوى حتى الآن. . .
فهل هي (مكرة) أخرى. .؟ على أن الأستاذ المازني ليس بحاجة إلى هذا المكر بالإضافة إلى ما سلف من أدبه، ولعله يشعر بالحاجة إليه الآن. . فقد نضج قبل اليوم بزمان، ولم يعجل كما يقول، وليته يعود إلى ما يدعيه من (العجلة وعدم النضج) وإن كنت أود ألا يعود إليه الزيتون الأسود في قرطاس من شعره.
تظرف بعض الأدباء:
اعتاد لفيف من الأدباء أن يتلهوا بالتفكير في أشياء يتوقعون أن تستملح وتستطاب وتعد من طرائف الأدب وفكاهاته. وتلقفها منهم بعض المجلات الفكاهية فتنشرها ليضحك منها من تضحكه أمثالها.