رأى أنه قد يكون هناك من وقع عليهم ظلم أو من يعانون فقراً ولا يجرءون على الدخول عليه خشية أن تعقد ألسنتهم الرهبة فلا يستطيعون الإفضاء بشكواهم، فعول على تسهيل الأمر عليهم بتيسير أسباب الاتصال به بطريق الكتابة، فأمر أن يوضع على كل باب من أبواب القصر صندوق كبير مثقوب من أعلاه مثبت إلى الحائط بمسامير، لكل يضع فيه كل صاحب شكاية شكايته مدونة في رق أو قرطاس، واحتفظ هو بمفاتيح تلك الصناديق، فكان يفتحها كل يوم بنفسه ثلاث مرات، ويطلع على الشكايات، ويفحصها واحدة واحدة، وينصف أصحابها بقدر ما يستحقون الإنصاف
فكان هذا أول صندوق للبريد في التاريخ، وكان المهدي أول من أنشأه
والأستاذ حبيب جاماتي يكتب كثيراً من المعلومات التاريخية الطلية، ويجلوها ويشوق إليها بأسلوب سهل نير، تحت عنوان (تاريخ ما أهمله التاريخ) ولكن هل هذه المعلومات أهملها التاريخ؟ ومم استقاها إذن؟! ألا يوافقني على ضرورة تغيير هذا العنوان؟
السينما بمناسبة (المنتقم):
كان إنتاج السينما قد كثر بمصر في أثناء الحرب الماضية، وعلى كثرته قلت فيه القيم الفنية، وكان ذلك انحداراً بالفن المصري الذي نشأ من قبل، وكان في نشأته خيراً مما صار إليه أخيراً.
وأبرز عيوب الفلم المصري، من حيث التأليف والإخراج، خلوه من الفكرة، وقصوره في تصوير النواحي المختلفة للحياة المصرية، وعدم طواعية الأبطال للطبيعة البشرية، فالبطل مثلاً هو أبو زيد الهلالي الذي لا يهزم ولا يخطئ، وتكييف الحوادث بحسب ما يريد البطل الأول من المظاهر الاجتماعية، والاعتماد في التأثير على مؤثرات تهريجية لا على الإبداع الفني.
وقد كان الناس في خلال الحرب، وخاصة العمال الذين نالهم رخاء، يبتغون التسلية والترفيه، ولكن حال الجمهور تغيرت بعد الحرب، لتنبه الوعي القومي، وارتفاع نسبة المستنيرين حتى بين العامة، فهز كتفه إزاء البضاعة المعروضة وأعرض عنها إعراضاً أيقظ أولئك المنتجين من أحلام مكاسبهم، فقبضوا أيديهم، وكفوا عن الإنتاج.
وكان ذلك بشيراً بتطور جديد في هذا الفن، يلتمس فيما يجد من الأفلام. وعلى ذلك اهتممت