سلطان له على الناس حتى يرهبوه ولعل أبا فراس فكر في فضائل سيف الدولة، وأسباب سيادته على قبيلته، فوجد الفضائل عنده هو أتم، وأن سيف الدولة فيه من المعايب ما ليس في نفسه.
ولعله كذلك ذكر أن أباه - وقد كان عم سيف الدولة - كان هو الأحق بالإمارة من ابن أخيه، فتقاليد الحكم أن يلي الملك أكبر رجال الأسرة وأقربها إلى أصولها.
ومادام والد أبي فراس كان أحق من سيف الدولة، ومادام أبو فراس يرى في نفسه المثل العليا للشجاعة والكرامة والمجد - فلابد أن يكون قد حدث نفسه بأن تئول إليه المملكة، بعد وفاة سيف الدولة.
أقرر هذا معتمداً على شعر أبي فراس نفسه، ومستعيناً بسياق الحوادث التاريخية وإن لم تُصرحْ.
وما كان لإنسان عادي، لا يتقرب الملك أن يقول:
عليَّ طلاب العز من مستقره ... ولا ذنب لي إن حاربتني المطالب
أيكون للعز مستقر - عند الأمراء - غير الملك، وإذا لم يكن الملك فلمَ يقول: (ولا ذنب لي إن حاربتني المطالب)، إنه يريد بمحاربة المطالب، مقاومة الظروف وعجزه عن التربع على الإمارة في حلب، ووقوف الحساد في سبيل غايته.
وما كان لغير طامع في الإمارة أن يقول:
يصان مهري لأمر لا أبوح به ... والدرع والرمح والصمصامة الخدم
إني أبيت قليل النوم أرقني ... قلب تكاثف فيه الهم والهمم
وأن يقول:
ولو نيلت الدنيا بفضل منحتها ... فضائل تحويها وتبقى فضائل
ولكن دهراً دافعتني صروفه ... كما دافع الدين الغريم المماطل
وأن يقول:
تطالبني بيض الصوارم والقنا ... بما وعدت جدّي فيّ المخايل
على أن ما وقع من أبي فراس عقب موت سيف الدولة يؤيد ما ذهبنا إليه من أن أبا فراس كان يحدث نفسه بالإمارة: فقد خرج الشاعر بحمص على أبي المعالي بن سيف الدولة،