يسمى قضيب الخشب الذي يحمله سيفا هندوانيا - وإنما كان جبروته وتمرده يومئذ من جبروت بريطانيا وتمردها - فهو دمية تلعب بها لا اكثر ولا أقل.
لقد قام النقراشي يعلن ملأ الأمم في نواحي الأرض، أن هذه ساعة فاصلة في تاريخ مصر والسودان، وانه قد عزم على طرد الإنجليز من بلاده، وانه لن يقبل مهانة، ولا مفاوضة ولا مراوغة بعد اليوم، وأن بلاده توشك أن تنفجر، وأن البلاء على الأبواب لن يمنعه ضغط الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وان مصر والسودان قد أبت إلا طرد بريطانيا من بلادها كلها بلا مهلة، ولا تريث ولا مواعيد. ووقف مندوب بريطانيا يصر إصرار البغاة الطغاة على أن المعاهدة تخول له احتلال أرضنا، ويستدل مرة بعد أخرى بالذي كان في مفاوضات صدقي - بيفن وكأنه يريد أن يقول أن صدقي قبل ما يأتي هذا الرجل - يعني النقراشي - فينكره ويرفضه، ويكذب على مصر والسودان فيدعي إنها تريد طرد بريطانيا وجلاءها تاما ناجزا عن ارض وادي النيل كله، على غير ما تدل عليه مفاوضات صدقي - بيفن.
وفي خلال ذلك يقف صدقي باشا الذي اتخذته اليوم بريطانيا حجة على مصر. ليقول أن خير الوسائل لنيل حقوق مصر والسودان من بريطانيا هي المفاوضة، وكان هذا الرجل لم يعلم بعد انه ظل يروح ويغدو ويتلاعب هو وتتلاعب بريطانيا، وكانت العاقبة أن أفضى الأمر به إلى الاستقالة، بعد التكذيب الخبيث الذي كذبت به بريطانيا كل شئ قاله في تفسير بروتوكول السودان. لقد كان العذر متسعا لامرئ سواه أن قال بمثل الذي يقول به. ومتى يقول هذا الرجل الكلام؟ يقوله في ساعة الحرب التي شنتها مصر والسودان على بريطانيا!
إننا لا نبالي كثيراً ولا قيلا بما يقوله هذا الرجل وأمثاله، وليس من همنا أن نقف عنده لنفنده، بل همنا أن نبين أن وراء كلامه معنى اخى، هو أن بريطانيا لما أحست بتباشير الخذلان الذي سوف تناله في مجلس الأمن، وعرفت إنها لن تستطيع أن تواجه العالم بالأباطيل التي كانت تواجه بها المفاوضين فيرهبونها ويخشون باسها، فلجأت عندئذ إلى قدماء صنائعها في وادي النيل ليخذلوا قلوب الناس ويخوفوهم، ويوقعوا بينهم يبغونهم الفتنة، ويكون ذلك فتاً في عضد النقراشي، وتمهيدا لانقلاب يحدثونه مرة أخرى بالقهر والتهديد، وبخيانة من يستحلي موارد الخيانة لبلاده - لمال أو جاه يحرزه، أو أبهة يختال