فيها، أو أمل يمني بإدراكه على يد بريطانيا صاحبه النعم الجزيلة والآلاء التي لا تنفذ!
إن بريطانيا تبذل الآن كل جهدها في رد مصر والسودان عن الطريق الذي لا طريق غيره لمن أراد أن ينال حقه، وأن يجعل هذا الحق ذكرا مذكورا في قلوب الأبناء والأحفاد حتى لا تنطمس معالمه، وحتى لا ينخدع الناس عنه بقليل من عليهم كما حدث في تاريخ مصر والسودان منذ سنة ١٩٢٤ إلى هذا اليوم، حتى بلغ البلاء أن صار الناشئة يقولون:(مصر والسودان دولة مستقلة) وكلهم يعلم ويرى ويشهد بعينيه الغزاة في ثيابهم يروحون ويغدون في الشوارع والطرقات، ويغشون دور الملاهي ويقيمون المدارس المعادية لروح مصر والسودان في قلب بلادنا، ويحمون لصوص الأجانب، وينصرونهم على أبناء البلاد بكل ما استطاعوا.
ومصر والسودان لن ترتد مرة أخرى إلى طريق (المفاوضة بين مصر وبريطانيا) ولن ترتد إلى تعليق مسالة السودان وجعلها مسالة قائمة على حيالها، ولن ترتد إلى الاعتراف بالورقة الباطلة التي كتبت في سنة ١٨٩٩ لتشرك بريطانيا مصر في حكم السودان. فإذا كان صدقي باشا قد علم من الثقة الذي أوعز إليه أن هذه الخطة هي الباقية، وإنها هي التي ستصير إليها بعد انهزامنا في مجلس الأمن، وأنه لا محيص لمصر والسودان من المفاوضة قبل الجلاء. عن وادي النيل كله - فقد كذب الذي أوعز إليه بذلك. وليعلم صدقي باشا أن الرائد لا يكذب أهله، وإننا نحن اصدق حديثا من الذين يعتمد هو على حديثهم فمصر والسودان قد علمت اليوم علما ليس بالظن أن مفاوضات صدقي - بيفن، كانت زلة وقى الله شرها، وأن الله سخر النقراشي ليقيل مصر والسودان من تلك العثرة المردية، وأن مصر والسودان قد عزمت أمرها على أن تضع يدها في يد بريطانيا ما دام لها على ارض وادي النيل ظل تستظل به أفاعيها، وثعالبها ووحوشها - وصنائعها أيضاً.
وخير لصدقي باشا ومن كان على شاكلته أن يعلم أشياء كثيرة؛ فلا يغرر بنفسه في مهالك بريطانيا التي تطأ بأقدامها كل من يخدمها إذا رأت في ذلك خيرا ينفعها، خير له أن يعلم أن الزمن الذي كان هو فيه أحد أبطال السياسة، قد انقلب كله وذهب وعفى عليه الذي عفى على مآرب كثيرة. وخير له أن يعلم أن الجيل الذي يعيش فيه هذه الأيام غير الجيل الذي كان يرهب سوط الجلاد ويخاف وسم السياط على أبدانه، وخير له أن يعلم أن العلم القليل