دولة لا دينية، فالمعروف أن اتباع الديانة الكاثوليكية لا يصلون إلى عشر السكان المسلمين ولكنهم يتمتعون بما يزيد على ضعف المبالغ المخصصة للشئون الدينية لمن هم أكثر من عشرة أضعافهم. فأي قاعدة إنصاف أخذت بها؟
ويهون الأمر لو كان هذا تبرعاً ولكن يؤخذ من أملاك وأموال وأوقاف المسلمين وهي مرصدة ومحبوسة على هذه الناحية منذ قرون طويلة الأمد ولم يتعرض لها أحد من الدول التي تعاقبت على حكم الجزائر. وهذه ثالثة الاعتداءات التي لا يبررها منطق للآن.
ويفسر لنا كيف ضعفت الحياة الدينية في الجزائر وفي ذلك يروي لنا (البير ديفوكلي) في كتابه المؤسسات الدينية في العاصمة الجزائرية أن مدينة الجزائر كانت تحوي ١٧٦ مسجداً في سنة ١٨٣٠، ولا يوجد في القطر الجزائري بأكمله غير ١٦٦ مسجداً جامعا كما ذكر ذلك صاحب (بحث التشريع الجزائري) ولا نشك في أن هذا العدد سيهبط إذا دام حكم فرنسا جيلا آخر.
ولبيان هذه السياسة التعسفية إزاء المسلمين وشريعتهم ودينهم يحسن أن نشرح هذه الفكرة من مراجع الاستعمار الفرنسي نفسه:
فقد جاء في كتاب جورج هاري (نظرياتنا الاستعمارية الكبرى)(أنه في المناطق التي لم يسدها الإسلام قط أي في أفريقيا السوداء يجب أن تحاط الأديان والمذاهب الإفريقية بما يكفل حمايتها وبقاءها وفي مناطق البربر يجب منع تعليم اللغة العربية منعاً باتاً؛ وعدم تشجيع نشر المكاتب القرآنية، ومنع نصب القضاة الإسلاميين والحيلولة دون تنفيذ شريعة الإسلام.
أما في الجهات التي ثبتت قواعده في ربوعها فلا مانع من تركه يعيش ولكن فلنحترس من الاهتمام بأمره أو إظهار الإعجاب به).
فهذه أصول السياسة الإسلامية الفرنسية وهي تحول دون انتشاره في أفريقيا وتعتبر القبائل من أهل الجزائر ومراكش غير مسلمين، وتحاول أن تحد من أثر الإسلام في المناطق الإسلامية الصميمة.
فلننظر إلى ابتداء هذه السياسة وما تركته في نفس الشيخ محمد بيرم التونسي صاحب كتاب صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار الذي طبعه سنة ١٣٠٢ هجرية عن