للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البديعية التي تنسيهم جمال المعنى، ولم يبتكر هؤلاء الشعراء المعاصرون للبارودي جديداً، أو يُحْيُوا من التراث الأصيل تليداً ولكن البارودي جاء فأحيا القديم، وولد منه الجميل الكريم، ولم يتكسب مثلهم بشعره، فعزت منزلته في نظر الناس وفي نظر نفسه

وبعد: فليس عجيباً أن أدرك البارودي سمو مكانته النسبية والحربية والسياسية والشعرية - أن تحدثه نفسه بأن يستولي على العرش حينما فكر الضباط في خلع الخديو، ولاسيما أنه سليل المماليك، ملوك مصر السابقين.

وإليك هذه الأبيات التي اقتبستها من قصيدة له، لترى فيها طمع البارودي في أن يستعيد ملك أجداده:

لكننا غرض للشر في زمن ... أهل العقول به في طاعة الحمل

قامت به من رجال السوء طائفة ... أدهى على النفس من بؤس على ثكل

من كل وغد يكاد الدست يدفعه ... بغضاً، ويلفظه الديوان من ملل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت ... قواعد الملك حتى ظل في خلل

وأصبحت دولت الفسطاط خاضعة ... بعد الإباء وكانت زهرة الدول

إلى أن يقول:

فما لكم لا تعاف الضيم أنفسكم ... ولا تزول غواشيكم من الكسل

وتلك مصر التي أفنى الجلاد بها ... لفيف أسلافكم في الأعصر الأول

قوم أقروا عماد الحق وامتلكوا ... أزمة الخلق من حاف ومنتعل

فبادروا الأمر قبل الفوت وانتزعوا ... شكالة الريث فالدنيا مع العجل

وقلدوا أمركم شهماً أخا ثقة ... يكون ردءاً لكم في الحادث الجلل

تلمس في هذه الأبيات إشارة إلى ضعف الخديو واضطراب أمره، ودعوة مستورة إلى أن يحل محله شهم أخو ثقة، يريد البارودي نفسه، ومن لها غيره؟ وهو الحربي المظفر والسياسي المحنك والشاعر الأبي، وهو بعد ذلك سليل المماليك ووارث ملكهم.

قلنا ما تقدم لنخرج منه إلى أن البارودي نشأ يتيما، ولابد لليتيم أن يحقد على دنياه، وكان سليل أسرة مالكة اندثرت، فلابد أن يذم الدنيا التي أدالتها، وكان يتطلع إلى إعادة مجدها فلم يفلح، فنقم على حظه ومعاكسة زمانه. . وكان يثق بعبقريته الحربية والسياسية والشعرية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>