إلى الطريقة المتبعة عندهم في إحصاء السكان وأنها غير دقيقة ولا كفيلة بحماية خراج الدولة في وقت اشتدت حاجتها فيه إلى المال ويستوجب العمل من جميع طبقات الشعب على تزويد خزانة الحكومة بالأموال مساعدة لها على النهوض بما تضطلع به من الأعباء وفي اليوم التالي مباشرة ظهر في الصحف بلاغ من الحكومة بأنها ستوفد قريباً بعثة إلى مصر للتخصص في عملية الإحصاء ودراسة أحدث الأساليب المتبعة في ذلك.
وسمعت من السيد هاشم الآلوسي المدير العام للتعليم الابتدائي أن وزارة المعارف تعد مساكن صغيرة مستوفية لجميع الشرائط الصحية للمدرسين الذين لا يجدون في القرى البعيدة مساكن منظمة وأنهم يعنون أشد العناية بصحة أولئك المعلمين والطلاب ووضع جميع التدابير لوقايتهم من آفتين تتفشيان غالباً في تلك الأماكن النائبة.
وهناك ظاهرة اجتماعية تستحق التنويه وهي ما يسمونه عندهم بالقبول وهو عبارة عما يتبادلونه بينهم من التزاور والسمر في المنازل في أيام الأسبوع في أكثر البيوت الكبيرة في الغداة أو في العشى على حسب المألوف من عادتهم في ذلك، وكثيراً ما شهدت غداة الجمعة في دار صاحب المعالي صبحي الدفتري أحد عظمائهم وهي تضم طائفة كبيرة من رجالات العراق وأدبائهم ومشايخهم يقضون وقتاً طويلا في الحديث والمطارحة مع أدب تناول ورقة حاشية وحفاوة مضيف ويمثلون في ذلك أرقى ما يتطلبه المجتمع المتمدن من مظاهر الاحترام والذوق وكذلك الحال في كثير من البيوتات الأخرى كدار الصدر والشبيبي وحمندي والشواف وغيرهم مما كان يوجد مثله في القاهرة منذ نحو ثلاثين سنة في دار آل سليمان وعبد الرازق وكانت هذه المجالس أشبه بالمدارس العالمية لتخريج المواهب وتلقيح العقول بثمرات التجاريب كما هي الآن في بغداد.
ولقد مكنني صديقي الأديب الكبير والشاعر الموهوب السيد حسين بستانه وهو أحد الأساتذة الذين تخرجوا من دار العلوم العالية في مصر وينهضون الآن بأعباء تدل على مبلغ ما لديهم من الكفاية والثقة مكنني ذلك الصديق الذي لا أنسى ما حييت فضله وأدبه ووفاءه من زيارة المشاهد المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء في رحلة ممتعة سأفرد لها مقالا آخر إن شاء الله تعالى.
ولا يمنعني ذلك من القول بأنه ستمر فترة غير قصيرة إلى أن تتخلص بغداد الجديدة مما