وشعر كل منا بتقصير المدرسة في حقنا، فكان الواجب. يقضي بأن ترسل في انتظارنا أحد فراشيها، وهم كثر على ما سمعنا، كدليل على الأقل يكفينا مؤنة السؤال عن الطريق وسط هذا الظلام الحالك، الذي لم يجدنا معه السؤال شيئاً، إذ أن كل شخص نسأله لا يحرك ساكناً بل يكلمنا في هدوء وسكون وهو جالس دون مبالاة، مما جعلنا نغلظ القول لبعضهم، وكدنا نعتقد أن كل الأهلين على هذا الوضع من الخمول المعيب، والكسل الأليم.
ودفع هذا الوضع الشاذ بعض الزملاء إلى الصراخ وسط هذه الفلاة القاتمة، بألوان من السباب والغيط، والنقمة والثورة، ولكن الصوت كان يتردد صداه في وحشة مرهقة، وكأنما نحن نسير في مقبرة مهجورة تعبث فيها الجن، ومردة الشياطين فساداً وتنكيلا بالناس. .!!
وأخيراً وصلنا إلى المدرسة بعدما أرشدنا خفير المستشفى الذي اضطر لذلك اضطراراً حينما كدنا نضل الطريق نهائياً. . وفتحت لنا المدرسة أبوابها، وكنت لا تسمع فيها حركة ولا صوتاً، على الرغم من نوم التلاميذ، وكثرة عددهم، الذي يربي على خمسمائة تلميذ. واستقبلنا مشرفان فاضلان، وجدنا في سماحتهما ولطف حديثهما ما هوّن علينا ما قاسينا من مصاعب، في هذه السفرة الشاقة، والرحلة المضنية، وخاصة وأن أكبر مسافة قطعتها قبل أن أنقل إلى هذه البلاد، هي المسافة ما بين القاهرة والإسكندرية، والتي لا تتجاوز الأربع الساعات. .
وجال معنا المشرفان قليلا في أنحاء المدرسة، بالقدر الذي يسمح لنا بتعرف ما حولنا، ورؤية المكان الذي سنبيت فيه، لنكون على خبر به، وبينة من أمره وبخاصة ومعنا صبي صغير هو نجل أحد الزملاء، وقد سمع هذا الصبي عن عقارب عنيبة في الباخرة ما جعله ينكمش في نفسه طوال المدة، ولا يكاد يضع رجليه على الأرض، خشية أن يناله مكروه، فبقى شارد الطرف، حائر الفكر، مضطرب الشعور، لا تكاد تكلمه حتى تدرك مبلغ ما يعانيه من حيرة وارتباك. . . وكان الظلام ناشراً لواءه على المدرسة كذلك، وكانت هذه المصابيح الهوائية الضئيلة، تبعث الضوء خافتاً باهتاً، وكأنما هو خائف مضطرب، يخشى صولة الظلام القاهر، ووحشة الليل المخيف. . .
والمدرسة كما علمنا لا تضاء بهذه المصابيح الهوائية المنتشرة في كل ناحية من نواحيها، والتي تشتعل بزيت النفط، بل تضاء بالكهرباء فلها مولد كهربي خاص، إلا أنه يدور قبيل