وهناك فن من فنون الشعر لا أجد إبراهيم يفرده بالحديث، ويختصه بالقول، وإنما يلم به في قصائده إلماماً، ويعرض له عرضاً، ذلك هو تحليل النفس البشرية وسبر أغوارها، وتصوير حالتها المختلفة، وتجاربها المنوعة، مع أن هذا الفن من فنون الشعر أدل على عمق إحساس الشاعر، وكثرة تجاربه، وسعة أفقه، من غيره من فنون الشعر المختلفة. والشعراء بعد ذلك درجات في شعر الحالات النفسية، فمنهم من يقف عندما يخص نفساً دون نفس، أو طائفة من النفوس دون طائفة ومنهم من يوفق إلى ما يمس النفوس البشرية كلها في أحوالها المختلفة.
ولعل إبراهيم قد صرفه الحديث عن آلام وطنه عن تعمق النفس البشرية. وآلام الوطن لا تحتاج لإحساسها إلى التعمق والإستقصاء؛ لأنها تغلي في النفوس، وتجيش في الصدور، ولكنها في حاجة إلى من يحس تصويرها، والتعبير عنها، والتأثير بها. ومهما يكن من شيء، فإن إبراهيم طوقان موهبة من المواهب الفنية، يعظم فيها الرزء، ويجل عنها العزاء، ويعز فيها العوض.
وإذا كان لي بعد ذلك أن أدل الآنسة الفاضلة على شيء، فإنما أدلها على أنها قد عرضت حياة أخيها عرضاً موجزاً يوشك ألا يسمى ترجمة حياة. فإن كان ذلك ضرورة من ضرورات النشر، فهل لها أن تتناول هذه الحياة بمقالات تفصل فيها ما أجملت، وتوضح ما أبهمت، وتذكر ما لم تذكر؟!
وشيء آخر أحب أن أدل الآنسة عليه، هو أنها قد تركت بعض جوانب من حياة أخيها دون أن تعرضها، فعلت ذلك عن عمد وإصرار، كما يبدو من إهمالها الحديث عن (سيئات!) هذا الغرام الذي قام بين أخيها وبين فتاته أو فتاة الجامعة الأمريكية ببيروت، مع أنها لم تهمل الحديث عن حسنات هذا الغرام. . . حسناته الأدبية طبعاً!! ومع أنها ذكرت أن لهذا الغرام سيئات، ثم قالت:(أما السيئات، فليس هذا بموضع تدوينها)! لماذا؟ ألأن هذه (السيئات) سيئة إلى الحد الذي يجعل القلم الأنثوي يتصبب (مداداً!) حين يخوض في حديثها؟
على أن الذي أفهمه أن على الآنسة أن تكون مؤرخة في كتابتها قبل أن تكون شيئاً آخر، وأن التاريخ الأدبي يقتضيها إذا ذكرت ناحية من النواحي الظاهرة أو الخفية في حياة من