للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن نفسها وكانت أعصابها تحت تأثير مخدر قوي هو الرغبة في الثأر لنفسها.

ولكن روح القلق التي كانت تستبد أحياناً تغلبت في النهاية وعادت أيامها نهباً للأسى والوجوم من جديد. إن الحزن يعصر قلبها عصراً وتحن إلى الدموع فلا تسعفها الدموع وتحاول أن تغرق همومها كما اعتادت في اللهو والصخب ولكن همومها تعلمت العناد وهزمتها في النهاية! إنها تحس الآن ما يحسه الشريد الضال الذي يهيم على وجهه في الصحراء يبحث عن ذعر عن شيء يهتدي به فلا يجد، فتزداد روحها وحشة وكآبة وضيقاً بالحياة.

والأمر الذي زادها ضيقاً وألماً عجزها عن أداء أدوارها على المسرح أداء طيباً، فقد كانت تروح وتجيء على المسرح كأنها دمية خشبية تنطق بألفاظ لا تحسها ولا تفهم لها معنى وأصبحت حياتها على المسرح كحياتها الواقعية باهتة الألوان مضطربة الظلال وبدأ صاحب الفرقة يتنكر لها فازداد طبعها حدة فكانت تثور لأتفه الأسباب وتصب شتائمها على رؤوس الناس دون حساب.

وهالها ما صار إليه أمرها، ورأت بعينيها الهوة التي تكاد تنفغر تحت قدميها وسألت نفسها: إنها تحيا هذه الحياة المتشابهة في ظواهرها ووقائعها من سنوات فما الذي ضاعف بؤسها هذه الأيام؟؟ ولم تجهد نفسها كثيراً لتجد الإجابة على هذا السؤال! لقد حاولت أن تقيم من حياة المجون سداً بينها وبين آلامها ولكن المجون لم يزدها إلا شقاء وآلاماً.

وعافت حياة المجون مرة أخرى، وتلفتت إلى الوراء لتلقي نظرة على الماضي ولكن طريق الرجوع لم يكن سهلا. . . كان عليها أن تعيش عيشة التهتك والاستهتار كي تستطيع أن تلبس وتسكر وتقامر حتى لا يقتلها السأم والملل. ولتهرب من مواجهة ضميرها، نعم ضميرها الذي بدأ يستيقظ ويزلزل كيانها.

وسارت في تيار الأيام كما تسير ورقة ذابلة على متن الأمواج شاعرة أن قلبها قد مات وأنها لم تعد تحزن وتثور وتفرح وتضحك من كل قلبها كما اعتادت أن تقعل، لقد طردت قلبها من عالم ذكرياتها وأوصدت دونه الباب آملة أن تجد له مستقراً أهنأ من عالم الذكرى والآلام ولكنه ظل شريداً هائماً كسفينة تائهة في مجاهل المحيطات، إنها لم تعد تملك من أمر نفسها شيئاً بل أصبحت أسيرة الحياة وعليها أن تعتش.

<<  <  ج:
ص:  >  >>