للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعاشت. . . تكفن أيامها ولياليها في قبور مضيئة لامعة ضاحكة يتقاذفها عاملان: الحياة التي فرضت نفسها عليها، وروح السخط والاستنكار التي كانت تتسلط عليها أحياناً فتنتزعها من من حياتها وتستخلص منها ضريبة الألم والدموع.

وفي إحدى الليالي كانت كعادتها تلهو وتمرح وتعب الكأس بعد الكأس ولكن الذي يتفرس في وجهها كان يوقن أنها حزينة: كانت تحس بحنين غامض نحو شيء لا تدري كنهه وكانت عيناها الملبدتان بالأكدار تستنجدان بالدموع. . . وحاولت جهدها أن تقاوم فلم تستطع، وآثرت أن تنصرف إلى دارها مبكرة وحاولت تنام فلم تستطع.

وانسرقت روحها إلى الماضي وعاد إلى خاطرها ذكرى الليلة التي مثلت فيها دور (نبيلة) لأول مرة. . .

وأفاقت ذكرياتها لكن من غفوتها وبدت أمام عينيها أطياف الأمل التي كفت عن التفكير فيها منذ أمد طويل.

وحاولت أن تكتم شجونها فلم تستطع وانفجرت الدموع من مآقيها غزيرة طيعة، وأحسن تحو نفسها باحتقار هائل.

ولم تشعر كم مضى من الزمن وهي تبكي لأنها كانت تجد في البكاء لذة وسعادة ظلت محرومة منها طويلا. ودهشت عندما استيقظت في ظلام الليل كيف استولى عليها النعاس دون أن تشعر وهي جالسة على أريكتها تبكي. واستهواها الظلام والسكون فجلست تفكر وعادوها الشوق الجارف نحو شيء يهز حياتها هزاً عنيفاً ويستحوذ على قلبها وأيامها ولياليها ولا يترك لها وقتاً للتفكير في نفسها. . .

وساءلت نفسها: هل هي جديرة بأن تتمنى وتطمع في حياة الدعة والسلام بعد أن لطخت حياتها بالأوحال؟؟ كيف جاز لها أن تنسى قلبها؟ وكيف أباحت لنفسها ما أباحت وحجبت عن عينيها أنوار الأمل؟

لقد كانت آلامها منبع شجاها ونوحها، ولكنها طردتها من حياتها فطردت معها ثروة عمرها التي تسبع على حياتها أعمق الألوان وأصفاها. لقد كان الألم حقاً، ولكنه كان محراب روحها الذي فيه تتعبد وتوقد الشموع وتحرق البخور من دمها وأعصابها فتحس أن الأيام مازالت تحتفظ لها بنضارة قلبها ويقظة ضميرها، وما أغلاهما من ثروة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>