للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نكون في الواقع قد بدأنا السير لتحرير عقليتنا من إرضاء الاستعمار.

ولماذا ننسى أنفسنا:

اهتمت الصحف المصرية على اختلاف نزعاتها بتتبع (الكوليرا) كما يسمونها الآن أو (الهيضة) كما كانت تسمى من قبل، واهتمت إلى جانب ذلك بسرد تاريخ ذلك الوباء اللعين في مصر، وما كان له من هجمات عنيفة على المصريين، ثم ما كان لرجال الطب من جهود صادقة في مدافعته واكتشاف ميكروبه وتحدثت في هذا عما كان من حضور الدكتور كوخ الألماني إلى مصر عام ١٨٨٣ على رأس بعثة طبية لاكتشاف هذا الميكروب وعما كان من وصول بعثة طبية أخرى من معهد باستور بفرنسا لمثل هذا الغرض، ولكن الصحف المصرية جميعها نسيت في هذا المقام جهداً مصرياً كان من الواجب أن يذكر، وكان من الواجب أن يرجع إليه رجال الطب عندنا فسيجدون فيه من التجارب المفيدة والخبرة النافعة ما لا يقل عن تجارب بعثة (كوخ) ولا بعثة (باستور).

ذلك أنه لما تفشى وباء الكوليرا في مصر عام ١٨٨٣م وجاءت البعثات الطبية من الخارج لدراسة أحوال هذا الوباء وإثبات تجاربها عنه عكف المجلس الصحي في مصر هو الآخر على مثل هذا العمل وأخذ أعضاؤه يوالون البحث والتجربة بشأن هذا الوباء، وانقسموا في هذا إلى فريقين: فريق يرى أنه يتولد تولداً ذاتياً متى كانت هناك البيئة التي تساعد على وجوده ونموه، وفريق يرى انه لا يظهر في مكان إلا منقولا إليه من مكان آخر وكان على رأس هذا الفريق الدكتور سالم باشا سالم طبيب المعية الخديوية يومذاك، وقد جرت مناظرات بين الفريقين كانت أعنف وأشد من المناظرات التي قامت بين (كوخ) وأطباء ألمانيا في ذلك الوقت، ولكن الأطباء الألمان أخذوا يوالون البحث حتى وصلوا في هذا إلى ما نفعوا به الإنسانية وكانت حكومتهم تشجعهم على ذلك بألوف الجنيهات، أما الذي جرى عندنا فإنه بسبيل العبرة ويدعو إلى العبرة، ذلك أن الخديوي توفيق خشي يومذاك من امتداد المناظرة بين الفريقين فألغى مجلس الصحة وكفى الله الأطباء شر القتال. .

مضى ما مضى، فلن يجدي التحسر عليه، ولكن الذي يدعو إلى الأسف أن ما توصل إليه أطباؤنا يومذاك من نظريات وآراء، وحققوه في خبر كان، ولو كان رجال العلم عندنا يذكرون أنفسهم ويعتدون بشخصياتهم لكان في رجال الطب من عكف على موالاة ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>