يمكن أن يخطر على بال كاتبه. وكيف تبلغ (الفطنة. . .) ببعض (الأذكياء. . .) أن يريد أحدهم الشيء فينطق بضدّه، ويعمد إلى تبرئه نفسه فيوبقها.
قلت لا فضّ الله فمك، وسلّمك:
(والآن نستطيع أن ننتقل إلى الجو القرآني، لنبحث ما في قصصه من أشياء تاريخية، وقبل البدء ننظر في اعتراض قد يستثار ذلك لأن ما قررناه من صلة بين التاريخ والقصة يعتمد على ظاهرات في القصص لوحظت حديثاً وقررت على أنها بعض التقاليد الأدبية التي تصور ما للقاص من حرية والقرآن أقدم من هذه الملاحظات للظواهر وهذه المقررات للتقاليد على أنها لو كانت قديمة لا تلزم القرآن في شيء إذ لكل قاص مذهبه وطريقته ولكل خالق حريته في الخلق والابتكار ولن يقرر ما في القرآن من قيم إلا واقع أدبي ألتزمه القرآن نفسه أو على أقل تقدير حرص عليه وهو قول له وجاهته فيما نعتقد ثم هو يلزمنا أن نبحث طريقة القرآن من واقعة العملي).
انتهى بنصه وفصه، وألفاظه وحروفه، واحلف لقد قرأنه خمس مرات متتاليات فلم أفهم المراد منه، لأنه أرفع من أن يصل إليه فهمي، أو يطوله علمي.
ولقد كنا في الكفر بالدين وحده، فصرنا الآن في الكفر بالدين، والكفر بالعربية! أفبمثل هذا الأسلوب تريد أن تكتب عن القرآن؟ أن هذه هي البلاغة الجديدة، التي هبط بها الروح (الأمين) على قلب أستاذك نبيّ البيان في آخر الزمان.
هذا كلامك، لا يفهمه الناس، فهل تفهم أنت كلامهم؟ لنَرهْ: نقلت من تفسير المنار قوله: (إن الله أنزل القرآن هدى وموعظة، وجعل قصص الرسل فيه عبرة وتذكرة، لا تاريخ شعوب ومدائن، ولا تحقيق وقائع ومواقع).
فلم تفهم منه إلا أن القرآن ليس بكتاب تاريخ، وإذا كان يروي أخبار الماضين، ولم يكن تاريخاً فما هو إلا قصة، كقصص اسكندر دوماس وتوفيق الحكيم، ودوماس لا يؤخذ من قصصه التاريخ، لأنه لم يكتبها له، ولم يحرص فيها على حقائقه فقصص القرآن كذلك.
أرأيت؟ فلماذا تتعب نفسك فيما لم تخلق له؟ وهل تظن أنك تفهم كلام الله، وأنت لم تفهم كلام (عبدِه)؟
ثم قلت: على أن هذه المسألة (أي مسألة كون قصص القرآن صحيحاً أو أسطورة) قديمة -