وتبتسم له، فيفتر ثغرها عن أسنان كالدر المنظوم. . . ولكن أثارت تلك الابتسامات وتلك الأسنان اللؤلؤية وتلك السيدة الوضيئة ذاتها عاصفة من السخط والحنق في نفسه!.
وإذا ما أدرك بغيته من الماء!. قفل راجعاً إلى مجلسه. . . فألفى (الفنلندي) قد استوى على كرسيه يدخن، فلما أبصره (الفنلندي) قال له في شيء من العجب: (ها!! أي محطة هذه؟!) فأجابه كليموف في صبر نافذ وقد استلقى على مقعده وضم شفتيه حتى لا يتسلل إلى حلقه دخان الغليون الحاد اللاذع: (لست أدري!.)
- (متى نصل إلى مدينة (تفر)؟!. . .)
- (لست أدري! ومعذرة إن كنت لا أستطيع الكلام إني مريض ضيق الصدر!!. . .)
فطرق (الفنلندي) حافة النافذة بغليونه!. وطفق يحدثه عن أخيه البحار فلم يعره (كليموف) أدنى التفات ولم يكترث له بل راح يفكر في فراشه الوثير اللين. . . وإبريقه البلوري ذي الماء العذب القراح. . . ويتصور في خياله أخته (كاتي) التي تعرف وكيف تروض نفسه وتخلع بزته وتحنو عليه وترنو إليه!. ثم ترسمت على شفتيه بسمة شاحبة، حينما تذكر خادمة الجندي (بافل) وهو ينزع حذاءه الضخم في رفق. . . ويضع الماء على المنضدة في هدوء!. . وخيل إليه إنه ما يكاد يستلقي على سريره ويجرع بعض الماء يطفئ به غلته. . . حتى يزول عنه ألمه، ويبرأ من سقمه! ويغط في نوم هادئ!. . .
عادت تلك الأصوات تختلط في سمع كليموف في هرج ومرج وراح يطرق أذنه في عنف هدير الأجراس وصفير القطار. . . وضوضاء العجلات، وهي تنساب صاخبة على القضبان!.
فدفن كليموف وجهه - وقد تملكه اليأس ولح عليه الألم - في وسادة المقعد. . . ثم أمسك برأسه بين يديه. . . وثانية راحت تطوف بفكره خواطر عن أخته (كاتي) وخادمه (بافل). . .
ولكن أخته وخادمه اختلطا - هذه المرة - في الصور التي تتهيأ له والأشباح التي تتمثل لوهمه. . . ولفحت وجهه حرارة زفراته التي تردها عليه الوسادة. . . وقد دفنه فيها!.
وتسرب الوهن إلى عظامه فشقت عليه الحركة. وتسلل من النافذة تيار هوائي بارد، فأصاب ظهره. . . بيد أنه لم يحرك ساكناً وأبى أن يغير الوضع الذي استقر عليه جسده. .