فلما أفاق من غشيته. . . ألفى نفسه مضطجعاً في فراشه. . عاري الجسد أو شبه عار!. ولمح خادمه (بافل)، وذلك الإبريق البلوري ذا الماء العذب. . بيد أن هذا لم يخفف من حدة مرضه، ولم يجلب عليه راحة أو سكينة. .
فما برحت أطرافه واهنة متيبسة يشق عليه تحريكها. ولسانه قد تشقق من جفاف. . حتى عكدته وعلاه الطلا. . وراحت ترن في مسمعه قهقهة ذلك الفنلندي وقولته:(ها!!.).
وقام إلى جوار فراشه رجل بدين عظيم الهامة ذو لحية سوداء إنه الطبيب!. ينظر إليه في إمعان وتأمل، ولم يلبث أن نبس في صوت ذي فيهقة وتشدق:(حسن!. حسن. . يا صغيري رائع. . رائع. . لقد برأت تماماً!. .).
فأثارت طريقة الطبيب في النطق، وضغطه مخارج الحروف حنق كليموف. . وأغضبته دعوته له بـ (يا صغيري)، وأسخطه ذلك التلطف البغيض الذي يبديه نحوه. فلما تمتم قائلا:(ما الذي يدعوك إلى مناداتي بـ (يا صغيري)؟. وما علة تلك الألفة التي تحدثني بها؟. عليك اللعنة!.) راعة من صوته جرس أجش صعق!. كاد أن ينكره!!.
كان الوقت يكر في سرعة ينزعج لها القلب، كزمن القطار!. فقد كان ضوء النهار يغمر الغرفة ويسطع في أرجائها. . ثم ها هي ذي عتمة المساء تخيم وتشيع في أنحائها!. ولكن الطبيب لم يبرح الغرفة، بل ظل فمه يتشدق بتلك الألفاظ البغيضة الثقيلة في كل حين!.
وعاد يتراقص أمام ناظره في فضاء الحجرة العريض صف غير ذي نهاية من الوجوه والسجن. . (بافل). . الفنلندي. . القائد (تاروشفتش). . والضابط (مكسيمنكو).!. وذو القلنسوة الحمراء. . . السيدة ذات الثنايا اللؤلؤية. . . الطبيب المتفيهق! كلهم يتحدثون ويلوحون بأياديهم! ويأكلون في نهم.
ولم يلبث (كليموف) أن أيصر - في بياض النهار الآفل - كاهن الكنيسة الأب (ألكسندر) في مسوحة الديفية. . . يقبض بين أنامله على الصليب!. . ويتمتم بصلوات وأدعية!. . وقد تجلت عليه دلائل لم يرها (كليموف) من قبل. . فشردت عن وجهه تلك الابتسامات والضحكات التي طالما طالعته مترسمة عليه. . وتبدت عليه سيماء الرزانة والرصانة!. . وأخذ يرسم على كليموف علامة الصليب!. .
وفي الليل. . كانت تتسلل حوله أشباح وظلال تغدو وتروح في إبهام وغموض. . . وكانت