أخته راكعة إلى جواره!. . تردد صلاة خفيفة في صمت وخشوع.!. وترفع طرفها - في هيبة ورغبة - إلى السماء حيناً تطلب الرحمة من الله. . وإلى صورة (القديسين) أحياناً تسائلهم العطف والشفاعة. .
ما أن تنسم (كليموف) البخور والأرج - وهو يتضوع في جو الغرفة - حتى صاح - وقد استفزه ما استقر في بطنه (احملوا هذا البخور اللعين بعيداً!.).
بيد أنه لم يكن ثمت من يجيبه. . وكان يترامى إلى سمعه من بعيد صوت الكهنة، وهم يرتلون أناشيد (الوداع). . وصدى خطوات تهول على درجات السلم بين صعود وهبوط!.
حينما خفت وطأة الحمى عن كليموف. وانثنى عنه هذيانه!. كانت غرفته عاطلة من البشر. . وراحت أشعة الشمس تفيض من خلال النوافذ، وتسيل من بين السدول والأستار!. وراح يتراقص على مياه الإبريق البلوري شعاع مرتعش من النور دقيق براق كلاسيف المسلول. . . وطرق سمع (كليموف) صليل العجلات وصرير العربات وهي تدرج في الطريق، فأدرك أنه خلو من الثلوج. .
فراح يمد طرفه إلى ذلك الشعاع. . ثم يقلبه بين أثاث الغرفة ومتاعها. . . ونوافذها وبابها. ولم يلبث أن راودت نفسه رغبة ملحة في الضحك.!!. فأخذ صدره يهتز وخصره يرتج من الضحك العذب البهيج الذي راح يحتاج جسده من هامة رأسه حتى أخمص قدمه. . وهو لا يدري لذلك سبباً سوى الشعور البالغ من السعادة والارتياح، والإحساس السابغ من البهجة والمراح. .
وتملك كليموف شوق فائق إلى الناس والحركة والحديث، غير أنه لم يقو على تحريك أي عضو من جسده لما يعتريه من وهن وضعف! كان منشرح الصدر طلق المحيا لتنفسه الهادئ طيب النفس طرب الفؤاد لضحكه وبشره!. ووجود ذلك الإبريق البلوري ذي الماء العذب الفرات. . وشعاع الشمس المرتعش، وأستار النافذة المزركشة المزينة بشتى الألوان. .
ولاح له فيما بين جدران غرفته كون فاتن رائع. . أبدع الخالق صنعه! وحينما ولف الطبيب إلى غرفته ملك الصبيحة تمثل في ذهنه ما هو عليه من علم وبراعة في التشخيص، ودمائه ورقة في المعاملة وحسن وظرف في المعاشرة. . ما أجمل الناس