للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإذا كان التاريخ الأدبي يدلنا أحياناً على أن هذه المعاني المجازية قد أصبحت حقائق عرفية أو شاع استعمالها حتى لينسى الناس المدلولات الأصلية أو الأولى فكذلك يدلنا في الأساطير.

وإذا كان الأديب حين يخرج بالألفاظ المفردة عن معانيها الحقيقية يبقى على مادتها فكذلك يفعا بالأساطير إذ نراه يبقى منها على جسم القصة أو هيكل الحكاية. وكل ذلك واضح بين في الصنيع الأدبي بحيث لا يحتاج منا إلى دليل.

ولعلك تعجب معي حين تعلم أن شيخاً من شيوخنا الأقدمين قد فطن إلى هذا الصنيع الأدبي في القصص القرآني قبل أن يفطن إليه أساتذتنا من الجامعيين.

فلقد فطن الرازي إلى هذا الصنيع الأدبي من اعتماد القرآن على الأسطورة عند شرحه لمواقف المشركين.

قال رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) من سورة يونس ما يأتي (الأول. انهم كلما سمعوا شيئاً من القصص قالوا ليس في هذا الكتاب إلا أساطير الأولين. ولم يعرفوا أن المقصود منها ليس هو نفس الحكاية بل أمور أخرى مغايرة لها).

فنحن نلحظ أن الرازي هنا يفرق بين شيئين.

الأول. هيكل القصة أو جسم الحكاية.

الثاني. ما في القصة من توجيهات دينية نحو قواعد الدعوة الإسلامية ومبادئ الدين الحنيف.

والرازي يلحظ أن الأمر الأول وهو هيكل القصة أو جسم الحكاية هو الذي أدخل الشبهة على عقول المشركين ومن أجل هذا قالوا عن القرآن إنه أساطير الأولين.

والرازى يرى أن القوم قد جانبوا الحق وبعدوا عن الصواب حين نظروا من القصة إلى هذا الجانب. ذلك لأنه ليس الجانب المقصود من القصة وليس الأمر الذي يقصد إليه القرآن الكريم حين يحدث ويقص.

ويؤكد الرازي هذا الأمر في مناسبات أخرى حين يجعل أحياناً كلمة (بالحق) التي تردد كثيراً في القرآن بعد بعض القصص وصفاً لما في القصة من توجيهات دينية. فهو مثلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>