فلم يكن هذان الشاعران إلا مرآتين صادقتين للعصر الذي عاشا فيه، وقد أديا إلينا ما ألهمهما هذا العصر فأحسنا الأداء).
ويحضرني - لذلك - رأي للدكتور طه حسين في كتابه (حديث الأربعاء) مؤداه أننا لا نعد الشاعر شاعراً إلا لأنه يعبر عن بيئته ويصور عصره فيحسن التعبير والتصوير. ورأى الدكتور طه في شوقي وحافظ أنهما لم يبلغا من الشعر ما يحب. فأي الرأيين ما زال يرى. .؟
ورأي الأستاذ مظهر القديم أن خيال الشاعرين أرضي وأن نزعاتهما أرضية على خلاف طاغور شاعر الألوهية. وقال إنه لا يزال عند هذا الرأي، وهو يرى أن الشعر ليس اللفظ ولا الوزن ولا القافية ولا الموضوع ولا الأداء، لأن هذه أعراض، وإنما الجوهر أثره في نفسك، وقليلا ما يخاطب الروح أو النفس شعر شوقي وشعر حافظ. . .
ومجمل رأي السلحدار بك الذي نشره منذ تسعة وثلاثين عاما، أنه يرجح كفة حافظ على شوقي، لأن الأول شاعر الجلال، والثاني شاعر الجمال، والجلال فوق الجمال؛ ولأن ملكة اللغة العربية كانت راسخة في حافظ أكثر من رسوخها في شوقي؛ ولأن شعر حافظ بما فيه من نفحات القوة والقومية شاف لنفس، أما شعر شوقي فكان شعر الرفاهة والنعيم؛ ولأن حافظاً أكثر كناية عن وجدانه في شئون وطنه؛ وشوقي أبعد منه عن ذلك. وقال إن الشاعرين قرضا بعد ذلك شعراُ كثيراً في نحو ربع قرن، وإنه لا يصح الجواب عن السؤال بغير مراجعة هذا الشعر، ولا تسعد الحال على ذلك إلا في مدى طويل، ولكنه مع ذلك يجيب بقوله:(أغلب الظن أن حافظا ظل يقول أكثر شعره فيما يتعلق بالشئون القومية، ولم يستمر في محاولته التخلص من أغلال طريقته القديمة، أما شوقي فلولا تهكم بعض أئمة الأدب القديم على قصائده في صباه عقب عودته من أوربة لكان التجديد أظهر في شعره).
أما الأستاذ العقاد فقد قال إنه دون في مذكراته اليومية قبل نيف وثلاثين سنة أن اسم الشاعر بلغتنا يشير إلى تعريفه، فليس الشاعر من يزن التفاعيل، وليس بصاحب الكلام الفخم واللفظ الجزل، ولا من يأتي برائع المجازات وبعيد التصورات، إنما الشاعر من يشعر ويُشعِر. وكان بهذا المقياس يقيس شوقياً وحافظاً، فقال عن حافظ: (يعجبني منه ذاك الجلال، وإن كنت أعتقد أن الجلال الظاهر لا يتطلب من شعرائه سمواً في المشاعر أو