زمانها؛ وقد لا يظهر بالمكان فيذكر قصة لوط فيبين اسمه وأنه معاصر لإبراهيم ويذكر الحوادث ولا يذكر المكان؛ وقد لا يهتم القرآن الكريم بالتفاصيل فيذكر قصة يونس عليه السلام وأنه (ساهم فكان من المدحضين) دون أن يدل على تفاصيل المساهمة ولا على نوعها ولا على المساهمين، ذلك كله لأن القرآن يخالف المؤرخ فالمؤرخ قد يتتبع ليستنتج، أما القرآن فهو منزل بالواقع، والحكم التاريخي فيه حكم العالم بالحقيقة فهو لا يستنتج ولكن يقرر الواقع ويذكر من الأسماء والأزمان والأمكنة والأحداث ما يعيننا على فهم ذلك الحكم التاريخي وتلقيه بالقبول، ويتفق التاريخ والقرآن في أن كلاً منهما يرتب الحكم التاريخي على المقدمات التي يذكرها وإن كانا يختلفان في طريقة ذلك الترتيب، فالمؤرخ يرتب المقدمات ترتيباً ظنياً خاضعاً لآلاف الفروض وأنواع الحدس والتخمين، فإذا ذكر المؤرخ أسباب سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية كان كل سبب مما يذكر موضع نقاش طويل في جميع مراحله؛ أما القرآن الكريم فيرتب المقدمات ترتيباً يقينياً لاشك فيه؛ فإذا قرأنا قوله تعالى (ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) رأينا المقدمات يقينية الوقوع والحكم الذي ترتب عليها هو عين اليقين؛ فالقرآن مصدر من مصادر التاريخ وليس كتاباً من التاريخ والفرق بينهما واضح كل الوضوح، وليس في المسلمين من يقول بغير هذا.
ويقول الأستاذ (خلف الله): على أن هذه المسألة قديمة ومن أجلها عد الأصوليون القصص القرآني من المتشابه ولقد نتج عن ذلك طريقتان. طريقة السلف وطريقة الخلف أما الأولون فيذهبون إلى أن كل ما ورد في القصص القرآني من أحداث قد وقع. وأما الآخرون فلا يلتزمون هذا وعلى طريقتهم جرى الأستاذ الإمام. . .
وهذا الذي يقوله الأستاذ خلف الله جرأة أخرى على الأصوليين ولا أحداً من المسلمين يعتبر القصص القرآني متشابهاً ولا نعرف أحداً من الأصوليين ولا من المسلمين لا يقول بأن ما ورد في القرآن إنما هو أحداث وقعت وحوادث هي خلاصة الحقيقة التي وقعت في سوالف الأزمان يسوقها القرآن عبرة وهدى للعالمين؛ وليدلنا الأستاذ على أصولي لا يقول بهذا أو على مسلم لا يقول بهذا