القوم قد ملكوا عنان زمانهم ... ولهم روايات به وفصول
ولهم أحاييل إذا ألقوا بها ... قنصوا النهى فأسيرهم مخبول
ولكل لفظ في المعاجم عندهم ... معنى يقال بأنه معقول
نصلت سياستهم وحال صباغها ... ولكل كاذبة الخضاب نصول
جمعوا عقاقير الدواء وركبوا ... ما ركبوه وعندك التحليل
وهذه نفثة حارة ترى لها نظائر عديدة في مرائيه الخالدة لزعماء النهضة المصرية، وهي - على كل - قد أفصحت عن لواعجه الكظيمة، وإن لم تكن الغرض الأول الذي قصد إليه الشاعر، وإنما مهد لها فاحسن التمهيد.
هكذا وقد مكث حافظ في منصبه الحكومي عشرين عاماً خسر فيها الشعر السياسي كثيراً من دوره، ثم أحيل إلى المعاش قبل وفاته بأربعة أشهر فقط، وما كاد يستنشق نسيم الحرية حتى نظم في هذه الأيام المعدودة قصائد عامرة من قوله البليغ، ندد فيها بأساليب الدخلاء، وصنائعهم من المصريين، وقد بلغت إحدى قصائده مائتي بيت!! ولو مد الله في أجله لبل الصدى ونقع الغليل على أنه - رحمه الله - لم يتعمل مطلقاً في شعره الأخير، بل كان ينظمه في سرعة تشبه الارتجال، كقوله في مخاطبة المندوب السامي.
ألم تر في الطريق إلى كياد ... تصيد البط بؤس العالمينا
ألم تلمح دموع الناس تجري ... من البلوى ألم تسمع أنينا
ألم تخبر بني التاميز عنا ... وقد بعثوك مندوباً أمينا
بأنا قد لمسنا الغدر لمسا ... وأصبح ظننا فيكم يقينا
كشفنا عن نواياكم فلستم ... وإن برح الخفاء محايدينا
ضربتم حول قادتنا نطاقاً ... من النيران يعيي الدارعينا
على رغم المروءة قد ظفرتم ... ولكن بالأسور مصفدينا
ولعل القارئ قد نظر من وراء هذه الأبيات الحزينة روح قائلها اليائس، ولا جرم فهي زفرة حارة صعدت من صدر ضيق يشعر أنه في عهده الأخير.
ولا نختم هذه البحث دون أن نشير إلى الأبيات التي مدح بها حافظ أخلاق الإنجليز أثناء قيام الحرب العالمية الأولى فقد خدع رحمه الله - وكان طيب القلب - بما كانوا يصفون به