ألمانيا ثم إلى فرنسا ثم لجأ إلى مصر بلد الفاروق. . . ألا كيف تكمن القوة في طي الوداعة، وأنى تختبئ الشدة وراء المسالمة؟ حقاً إنها قوة الروح! وما أدراك ما قوة الروح!
وكأنما استفزت كلمات الحاج أمين أكبرَ زملائي الفلسطينيين سناً، فألقى كلمة كان يهتز معها جسده تأثراً، وتقشعر جلودنا لسماعها حماسةً، فكان مما قاله:
- (يا سماحة المفتي الأكبر! إن قلوب المغتصبين اليبيسة، تريد أن تُبقي أفكارنا حبيسة! لكن لنا أرواحاً لن يمنعها من الوثوب، توالي المصائب والخطوب. فسماحتكم رمزنا الذي نلتف حوله، ونعتصم به؛ وإنا لنتضرع إلى الله أن يعيدك إلى وطنك مظفراً منصوراً، لتدخله دخول الفاتحين، فتجمع الكلمة، وتضم الشتات، وتسوي الصفوف؛ ويومئذ لا تذر على أرض فلسطين من الصهاينة دياراً: فليعيشوا إن شاءوا في أدوية مهلكة أو مدائن عامرة، وفي مفازة موحشة أو في ناطحات السحاب، فلن نسمح لهم بالتوهين والكيد فيما بيننا ونحن ساهرون، ولا بالتقريد والخداع ونحن أيقاظ مفتحو العيون.
عُد إلى موطنك فلسطين - يا سماحة المفتي الأكبر - ولا تخشَ في الله لومة اللائمين).
فقال سماحته على الفور:
- (حاش لله - يا أبنائي - أن أعتبر فلسطين وحدها موطناً لي، فإن الوطن العربي قطعة واحدة، وما من بلد ينطق أهله بالضاد إلا وهو موطني، وموطن كل عربي.
ألا وإن الدول الكبرى التي تستطيع أن تستغني - لو أرادت بثرواتها وقواها، واستعداداتها ومواردها - قد أدركت فائدة التعاون، فانضم بعضها إلى بعض، وخطب بعضها ود بعض، وحالف بعضها بعضاَ؛ ألا وأننا أشد منهم حاجة إلى التعاون، وأقرب منهم سبيلا إلى التفاهم: لأن شعورنا واحد، وآلامنا واحدة، وآمالنا واحدة.
وإن العروبة - لتعلق عليكم - يا شبابها الأبرار - أملاً كبيراً في أن تعملوا أنتم في الحقل الدراسي وفي الحقل الاجتماعي على توحيد الصفوف، وتكتيل القوى، حتى لا يمر عربي بفلسطين فيبكي دماً حين يرى المزرعة القَراح ليس عليها بناء ولا فيها شجر فيؤكدون له أنها ليست ملك اليهود، ويرى المستعمرة المنظمة عليها البناء وفيها الشجر فيؤكدون له أنها من صنع اليهود.
تخصصوا جيداً في شؤون دراستكم، فإن العلم أقوى سلاح في هذا العالم بعد الإيمان