لكن (لكل شيء وقته)(وكل آت قريب). فقد كان (هارفورد) مؤمناً بهذه الحكم وأمثالها. . وقد زاد إيمانه بها حين وقع له الحادث السعيد وهو يوشك أن يستسلم للقنوط. . وبينما هو ذات ليلة في الطريق إلى داره وقد أوشك أن يبلغها إذا شبح يبرز له من أحد الأركان ويعترض سبيله بهذه العبارة:(أرفع يديك!!. .)
فخفق قلب (هارفورد). . رجاء وأملا!. . ورفع يديه على الفور فإنه كان قد رسم في ذهنه خطة العمل سلفاً، ورأى أن الامتثال لأمر اللص برفع يديه هو مما يتمشى مع هذه الخطة. أما إظهار الشخصية فمسألة لها وقتها المرسوم المقدور!. . . وكان اللص كريه المنظر، بيده مسدس وعلى وجهه قناع. وهو بلا ريب لص حقيقي خطير من الطراز الذي يشتهيه (هارفورد). . ولا يفل الحديد إلا الحديد. .
وقال له (هارفورد) بهدوء. . بل بكل هدوء: نعم؟؟ فبدأ كأن اللص بهت بهذه المقدمة. إذ ساد الصمت برهة. فقال له (هارفورد) في لهجة واضحة المخارج: ماذا تريد يا صديقي الفاضل؟. .
ومن عجب أن اللص لاح عليه التردد وكأنه غرق في ذكريات عميقة فراح يتفرس في وجه فريسته في هذه البقعة المظلمة التي أختارها مسرحاً لهجومه. . على أنه أجاب قائلا: نقودك. . . وساعتك. . . وكل ما معك. . . فقال المحامي العبقري:(يبدو لي أنك تسلم مقدماً بأني أحمل أشياء ذات قيمة؟. .).
- وفضلا عن ذلك. فإن اليسر الذي تجنيه بهذه الطريقة، لا يجلب لك غير الضرر. . .
وأدنى اللص وجهه من وجه المحامي فزاد عجباً فيما يظهر، وهم بالكلام، ولكنه كف عن اتمام جملته. فأستطرد (هارفورد): فخير لك يا صديقي أن تكف عن هذه المحاولة. ضع مسدسك هذا. . .
ذلك وما برح اللص يزيد تفرساً في وجه المحامي وكان الضوء لا يساعده على تبين ما كان يريد أن يتبينه. . والواقع أن (هارفورد) نفسه كان يريد مزيداً من الضوء. . فأن نظراته الحادة الأخاذة لا تكاد تظهر قوتها في مثل هذه الظلمة، وإن كانت حتى الآن قد جعلت اللص يتردد. . .