الكرام. . . فأنشأت مكتباً خاصاً بذلك سنة سبع وعشرين وتسعمائة وألف كان أهم ما قام به، إعداد المشروع، وبحثه من جميع نواحيه، والنظر في موضوع التعويضات التي ستعطي للنوبيين بعين الرعاية والعطف لما سيلحقهم من أضرار في منازلهم ونخيلهم وأراضيهم الزراعية وجميع مرافقها، بسبب هذه التعلية.
وأخيراً عرض المشروع على لجنة دولية مكونة من ثلاثة مهندسين عالميين: أمريكي، وإنجليزي، وسويسري، وقد وافقت هذه اللجنة على المشروع، وأقرت تعلية السد تسعة أمتار، دون إحداث ضرر ولا خلل به!.
ووقع هذا الخبر بين أبناء البلاد موقعاً حسناً جميلاًن وأنعش كثيراً من الآمال البراقة، والأماني الحلوة اللامعة، فعن قريب ستحيا كثير من الأراضي البور، أسباب هذه المياه التي سيحجزها السد ويمنع تسريحها وضياعها، وعن قريب تبيع الحكومة كثيراً من الأراضي التي تحتاج إلى إصلاح، وبعد أن تقيم لها المشروعات اللازمة، من ري وصرف وغير ذلك.
بيد أن هذا الخبر نفسه، وقع مع النوبيين موقعاً قاسياً. . . وقوع الصاعقة، التي تهدم قصور الأماني، وتقوض صروح الآمال في قسوة وعنف وجبروت. . . فهم يعلمون معنى التعلية، ويفهمونه على وجهه الصحيح. ويدركون تمام الإدراك هذه الأمتار التسعة، التي سترفع منسوب المياه أمام الخزان، وتجعل من بلادهم للخزن، يخرب ديارهم، ويجلوهم عن مساكنهم ويلقي بهم في مهب الريح، تعصف بهم عواصف الأقدار، وتشتت شملهم دوافع الفرقة. وأهوال الفقر والحاجة والاضطراب. . .!
وشرعت الحكومة في تنفيذ التعلية، وابتدأ العمل في نوفمبر سنة تسع وعشرين وتسعمائة وألف، على قدم وساق، وعناية بالغة، حتى انتهى بصفة عامة في ديسمبر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وألف، بالغة تكاليف المباني، مليونين وستمائة وسبع وعشرين ألف جنيه. . .!
بيد أن هذه التعلية أضرت بمناطق النوبة بالغ الضرر، بقدر ما أفادت باقي البلاد المصرية، عظيم الفائدة. ونفعتها جليل النفع إذا احتاجت مياه الخزن منازل الأهليين كلها، وجرفت بيوتهم، وأتلفت مزارعهم، فعوضتهم الحكومة عن هذا كله، حسب تقدير قامت به،